الرئيسة \  مشاركات  \  الدرس الكوري الشمالي...التنمية والتعاون الإقليمي أفضل سلاح لحماية الأوطان

الدرس الكوري الشمالي...التنمية والتعاون الإقليمي أفضل سلاح لحماية الأوطان

12.05.2018
د. طارق ليساوي




من يتابع تسلسل الأحداث في شبه الجزيرة الكورية منذ سبعينات القرن الماضي، يدرك أن خيار التنمية و السلم كان على رأس قائمة أولويات شعوب المنطقة، فعدوى التنمية انتقلت و اتسعت بالتدريج لتشمل مناطق جديدة كانت في السابق بؤرة للثوثر بالمنطقة، ومايحدث اليوم في كوريا الشمالية ليس باستثناء عن القاعدة، بل هو امتداد لما سميته في العديد من المقالات بعدوى التنمية...و هذا المقال سيحاول تناول تطور الأحداث في كوريا الشمالية والتقارب الكوري الشمالي / الأمريكي والدور الحيوي للجوار في إحداث هذا الانفراج في علاقات متشنجة  دامت حوالي نصف قرن ونيف...
فالمرونة التي أبداها الزعيم الكوري الشمالي" كيم جونغ أون"، هي نتاج طبيعي للضغط الذي تمارسه الصين،باعتبارها الحليف الاستراتيجي و التاريخي للثورة الشيوعية الكورية ، فالتحول الذي تعيشه كوريا الشمالية اليوم ، قد مرت به الصين من قبل أربع عقود، فالصين كما نعرفها اليوم كانت فيما سبق مصدر متاعب لبلدان الجوار فهي أحد الأطراف الأساسية في تقسيم شبه الجزيرة الكورية ، حيث تدخل "ماوتسي تونغ " مباشرة في الحرب الكورية بين ١٩٥٣- ١٩٥٤، هذا الأخير دخل في صراع مع الغرب وحلفاءه بالمنطقة لاسيما اليابان،غير أن التحول في العلاقات الصينية الأمريكية سيبدأ عام ١٩٧٢ مع زيارة الرئيس "ريتشارد نيكسون" للصين و تطبيع العلاقات مع ثاني عدو للولايات المتحدة الأمريكية بعد الاتحاد السوفياتي سابقا..
لكن الانفراج في العلاقات الصينية الامريكية سنة ١٩٧٢، لم يكن نتاج للطفرة دبلوماسية وإنما يعود لعوامل داخلية وخارجية ، فأما العوامل الخارجية فيمكن إجمالها في:
- تورط الولايات المتحدة الأمريكية في حرب فيتنام وبحثها عن مخرج أمن من هذا المستنقع الدموي، لاسيما وأن الصين طرف أساسي في الأزمة..
- المخاوف الصينية من الأطماع السوفياتية ، لاسيما بعد المناوشات العسكرية على الحدود بين البلدين سنة ١٩٦٩بجوار تشينباو في نهر أسوري..
أما العوامل الداخلية في الجانب الصيني ، فهي تنموية و أمنية ، ففشل السياسات المتبعة في الصين : " سياسة القفزة الكبرى إلى الأمام" و " الثورة الثقافية" و ماخلفته من نتائج سياسية و اقتصادية واجتماعية، مدمرة كادت تعصف بالقيادة الصينية، و الحزب الشيوعي الصيني ..الأمر الذي دفع بماوتسي تونغ إلى تطبيع علاقاته مع الغرب و اليابان على وجه التحديد..
فالتوجه الصيني نحو اليابان هو تقارب تنموي فمعاهدة الصداقة لعام ١٩٧٠ والتأسيس لعلاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين شكل منطلقا لسلسلة من الأحداث التي غيرت وجه الصين والمنطقة ..
فالتحول الاقتصادي في الصين مابعد ١٩٧٩ لعبت فيه دول الجوار دور محوري، فتغليب المصالح المشتركة شكل بوابة فعالة لتجنيب المنطقة المزيد من النكسات و الأزمات ..لذلك فإن مسار التحول الذي تشهده كوريا الشمالية اليوم هو نفسه الذي شهدته الصين فيما قبل ..
فعلى الرغم من أن المصالح الأمريكية على المدى المتوسط و البعيد تقتضي استمرار الأزمة الكورية لضمان موضع قدم للقوة الصلبة الأمريكية بجنوب شرق اسيا، غير أن الحكمة الاسيوية التي طبعت سلوك اليابان و كوريا الجنوبية و التي رفضت سباسة التصعيد ضد كوريا الشمالية أثبتت فعاليته في كسر حاجز الخوف ..
فالمؤكد ان كوريا الشمالية سوف تتخلى عن نزعتها العدوانية وستبدي المزيد من المرونة باتجاه بلدان الجوار بالأساس ، بغرض الاستجابة لتطلعات الشعب الكوري الذي يرى على مقربة منه ثمار الديموقراطية و التنمية و السلم في توسيع خيارات الناس..
فالتنمية وتغليب المصالح المشتركة، أفضل وصفة لفض المنازعات ، وهو الأمر الذي تفتقده المنطقة العربية ، ففي الوقت الذي تصعد فيه الولايات المتحدة لهجتها تجاه الملف النووي الايراني نجد بعض دول الخليج تنساق للرؤية الأمريكية،متناسية أن أي ثوثر في المنطقة سوف تدفع ثمنه شعوب المنطقة ..على شعوب المنطقة ان تأخد العبرة من تجارب الشعوب الاسيوية التي انخازت للتنمية و التعاون وتوحيد الجهود الاقليمية لمحاربة الفقر و الحاجة..فتحقيق التنمية هو أفضل سلاح لحماية الأوطان...و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..
• أكاديمي و إعلامي متخصص في الإقتصاد الصيني و الشرق ٱسيوي