الرئيسة \  واحة اللقاء  \  روسيا والعرب.. المصالحة والمصالح

روسيا والعرب.. المصالحة والمصالح

14.10.2017
خالد عمر بن ققه


الاتحاد
الخميس 12/10/2017
تتحرّك روسيا في الفضاء العربي بخطى ثابتة، وتتجه نحو مزيد من تمتين العلاقات، ومرشحة للقيام بأدوار الوساطة بين الأطراف العربية المختلفة والمتصارعة، وبين العرب وغيرهم، والأكثر من هذا تقدم لبعض الدول العربية استشارات تخص ترويض الجبهة الداخلية، وتطرح نفسها شريكاً حقيقياً وصادقاً في التعامل، مُستندة إلى ما قامت به فيه سوريا، حيث تمكَّنت من حماية الدولة السورية من السقوط، وبالتي أثبتت أنها حليف استراتيجي للنظام، وهذا على عكس الولايات المتحدة الأميركية، التي تخلَّت في الغالب عن كثير من الأنظمة حين واجهت انتفاضات وثورات، بل إنها مالت بشكل كلي لقوى معادية للعرب، خاصة خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي اعتبره المراقبون تغيُّراً استراتيجياًّ في سياستها الخارجيَّة تجاه الدول العربية، وبعيداً عن تقييم العلاقات العربية- الروسية، والتي تتّجه إلى نوع من المصالحة التاريخية المصحوبة بالمصالح المشتركة، فإن روسيا اليوم موجودة سلماً وحرباً على الأراضي العربية، وقادرة على تفصيل مقاس لعلاقتها مع كل دولة عربية، وذاهبة إلى تحديد مسار تلك العلاقة بحسب الترتيبات الإقليمية التي وضعها العرب أنفسهم، الأمر الذي جعلها مقبولة، وأحياناً مطلوبة من عدة دول عربية في وقت واحد، خاصة بعد أن أدرك العرب أنهم في دعم الحروب ضد الاتحاد السوفييتي السابق، وروسيا الاتحادية اليوم، كانوا يقومون بحرب بالوكالة عن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية.
لقد تعمَّقت تجربة روسيا لجهة فهم الرؤى السياسية للدول العربية وكيفية التعاطي معها، قُرْباً أو بُعْداً، خاصة تلك التي هي خارج مناطق نفوذها، لهذا نجدها تتعامل في الوقت الراهن مع دول الخليج العربية بما يُقرِّب منها دون أن يكون لذلك تأثير على علاقتها بإيران، وتعيد تجديد علاقتها مع الدول العربية الأخرى ذات العلاقة التقليدية على ما فيها من هزات وتوتر وعدم يقين، مثل: مصر، الجزائر، ليبيا، والعراق، انطلاقاً من ميراث تاريخي يعود إلى حقبة الاشتراكية، وتسعى جاهدة لتثبيت وجودها في سوريا عبر خُطَّة استراتيجية، ستكون في المستقبل المنظور مثلاً يحتذى به، ليس فقط لأجل إحراز منطقة نفوذ شبه دائمة هناك، وإنما للإشراف على المنطقة كلها من خلال الوجود في سوريا مع عدم الدخول في صدام من أيِّ نوع مع إسرائيل.
من ناحية أخرى، تغيّر الخطاب السياسي الرسمي العربي تجاه روسيا، خاصة من الدول المعنية بالملف السوري، فمثلاً لا نجد اليوم أي إشارة في الإعلام الرسمي، وحتى الخاص، ما يشير من قريب أو بعيد للوجود العسكري الروسي في سوريا والتأكيد على أنه احتلال على الرغم من أن ذلك تم بطلب من الحكومة السورية، تماماً مثلما لا يتم الحديث عن الاحتلال الأميركي، بل لقد تحوَّلاَ في نظر البعض إلى قوَّتيْ تحرير لسوريا والمنطقة كلها من الجماعات الإرهابية، التي يتم التفاوض على تجميعها في منطقة واحدة، وفي جماعة واحدة، ضمن عمل تكتيكي، يبدو أنه أقرب إلى خطة استراتيجية دائمة.
مهما يكن، فروسيا اليوم تُثبّت أقدامها في الدول العربية، وتسعى لتكون طرفاً فاعلاً في حلّ الأزمات العربية الأخرى، ومنها: التدخل في الشأن اليمني على النحو الذي أشار إليه رئيس وزراء روسيا ديمتري ميدفيدف عند زيارته إلى الجزائر الاثنين الماضي (9 أكتوبر الجاري)، غير أنها وهي تقوم بذلك ليس هناك ما يشي من طرفها بتصحيح علاقتها مع الثلاثي المعادي للعرب في الوقت الراهن: إسرائيل، وإيران، وتركيا، بما يخدم المصالح المشتركة بينها وبين العرب، وقد يكون سبب ذلك ما تقوم به دول عربية أخرى من تحالفات مع أعداء العرب.