الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نهاية التفاهم التركي الروسي في سوريا.. هل يأخذ أبعاداً خطيرة؟

نهاية التفاهم التركي الروسي في سوريا.. هل يأخذ أبعاداً خطيرة؟

05.02.2020
الخليج أونلاين


لندن - الخليج أونلاين (خاص)
الثلاثاء 4/2/2020
لم تكن العلاقات التركية الروسية جيدة في سوريا بشكل دائم منذ المصالحة التي حدثت بين الجانبين، في أغسطس 2016، بعد حادثة إسقاط أنقرة للطائرة الروسية قرب الحدود السورية التركية، أواخر عام 2015.
واشتركت تركيا في محادثات أستانا بكازاخستان، ومن ثم اتفاق سوتشي في روسيا، اللذين خرج عنهما مناطق خفض التصعيد في عدة محافظات سورية بمشاركة روسيا وإيران ونظام بشار الأسد والمعارضة العسكرية.
وكانت أنقرة ضامناً للمعارضة السورية في تنفيذ الهدن واتفاقيات وقف إطلاق النار، وفي المقابل تضمن روسيا وإيران تنفيذ نظام الأسد لها، وهو ما لم يحصل من قبل الطرف الأخير في كل الاتفاقيات؛ بسبب مواصلة الأطراف (روسيا وإيران ونظام الأسد) للعمليات العسكرية والقصف الممنهج.
وكانت تركيا في كل مرة تنتقد وتستنكر العمليات العسكرية وخرق الهدن من قبل نظام الأسد وحلفائه، لكن دون تحرك رسمي لها عبر الانسحاب من المحادثات أو تعليقها، إنما تتجه لعقد اتفاق جديد يستند إلى أستانا لإعادة الثقة بين الأطراف.
وفي ظل الحملة العسكرية المستمرة منذ نهاية أبريل 2019، على مناطق محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب وريف حماة، التي يشنها النظام السوري بغطاء من المقاتلات الروسية والمليشيات الطائفية، سيطر النظام على مناطق واسعة من ريف إدلب الجنوبي، وهجر مئات الآلاف من المدنيين في العراء.
وفي أثناء هذه التحركات العسكرية تعرضت نقاط المراقبة التركية في تلك المناطق للقصف، ليل الأحد - الاثنين (3 فبراير 2020)، وراح ضحية ذلك قتلى وجرحى من القوات التركية.
تصعيد تركي
فقد أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مقتل 8 أتراك بينهم 5 جنود وثلاثة مدنيين، إثر قصف لقوات النظام السوري على منطقة في إدلب شمال سوريا.
وقال في مؤتمر صحفي من أوكرانيا التي يزورها، يوم الاثنين (3 فبراير الجاري): إن "قرابة مليون سوري ينزحون (من إدلب) نحو الحدود التركية".
من جانبها كانت وزارة الدفاع التركية قد أعلنت، يوم الاثنين (3 فبراير الجاري)، أنها "ستحاسب منفذي هذا الهجوم الشنيع، وستستخدم حق الدفاع المشروع في حال وقوع اعتداءات مماثلة".
وذكرت وكالة الأناضول التركية أن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، كان ضمن وفد الرئيس أردوغان إلى أوكرانيا، وأنه "ألغى مرافقته للرئيس وعاد إلى أنقرة لتقييم التطورات الحاصلة في إدلب".
أكار توجه بعد ذلك إلى الحدود السورية التركية برفقة عدد من قيادات الجيش التركي، مؤكداً أن بلاده تعاملت بالشكل اللازم مع قصف النظام السوري، مضيفاً: "على الشعب التركي أن يكون مستريحاً، فقد قمنا ونقوم بما يلزم تجاه هذا الاعتداء".
وسبق لأردوغان أن قال للصحفيين في مطار إسطنبول قبل سفره إلى أوكرانيا، الاثنين، إن أنقرة أبلغت موسكو بأن "عليهم التنحي جانباً" عن الصراع المتصاعد، قبل أن يعلن لاحقاً تحييد 76 من قوات النظام، واستهداف أكثر من 50 موقعاً لهم.
وأضاف: "عازمون على مواصلة عملياتنا من أجل أمن بلدنا وشعبنا وإخواننا في إدلب.. من يشككون في عزمنا سيدركون عما قريب أنهم ارتكبوا خطأ".
ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أمني تركي (لم تسمه) قوله: إن "القصف الذي أدى لمقتل الجنود وقع في منطقة مدينة سراقب على بعد 15 كيلومتراً شمالي مدينة إدلب".
وأردف المسؤول: "بعد التطورات التي حدثت في إدلب في الأسابيع القليلة الماضية تم تقديم دعم كبير في نهاية الأسبوع للجنود والعتاد والعربات في المنطقة".
لكن روسيا يبدو أنها تريد تأزيم المشكلة مع أنقرة في ظل الخلاف المتصاعد بين الجانبين خلال الفترة الماضية؛ على خلفية تهجير مئات آلاف المدنيين إلى العراء قرب الحدود التركية، ومقتل وجرح العشرات منهم، وإطلاق أردوغان صفة "الميتة" على محادثات "أستانا" واتفاق "سوتشي".
فقد ردت وزارة الدفاع الروسية بنفي ما تحدث عنه الرئيس التركي من معلومات حول مشاركة المقاتلات التركية في الرد على هجمات قوات النظام ضد النقطة التركية، وقالت: إنّ "وحداتٍ تركية تحرّكت في إدلب دون إخطار روسيا، وتعرّضت لقصف سوري استهدف الإرهابيين، ما أدى إلى جرح عدد من العسكريين الأتراك".
وأردفت: إنّ "الطائرات التركية لم تدخل أجواء سوريا، ولم يتم تسجيل ضربات ضد مواقع القوات السورية"، زاعمة كذلك أنّ "سلاح الطيران الروسي يسيطر بشكل كامل على الأجواء في محافظة إدلب".
وفي إطار السجالات بين الطرفين دخل على الخط عمر جيليك، المتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، قائلاً: "إنّ أنقرة أبلغت روسيا بالتطورات في منطقة إدلب السورية"، نافياً تأكيد موسكو بأنها لم تُخطَر بالتحركات قبل مقتل ستة جنود أتراك في قصف لنظام الأسد.
ولفت جيليك على حسابه بموقع "تويتر" إلى أن "القول إن روسيا لم يتم إبلاغها غير صحيح، تركيا تقدم معلومات منتظمة وفورية لروسيا، كما أنها أبلغتهم بشأن هذه الواقعة الأخيرة. ليس صحيحاً القول إنه لم يتم تبادل المعلومات. تمت الاستعانة بالآليات القائمة كما هو الحال دائماً".
وما يظهر التوتر بين الطرفين تعليق أنقرة إرسال قواتها للمشاركة في دورية مشتركة مع القوات الروسية قرب مدينة عين العرب "كوباني" شمالي حلب، بما يرجح أنه احتجاج على ما جرى في إدلب، بحسب صحيفة "يني شفق" التركية.
وبحسب وكالة "هاوار" للوحدات الكردية فإن ست مدرعات روسية انتظرت، صباح الاثنين، برفقة مروحيتين حربيتين على الحدود شرقي مدينة عين العرب، عند قرية غريب.
وأردفت الوكالة أن الدورية الروسية بقيت لأكثر من ساعة تنتظر دخول الدورية التركية إلى الأراضي السورية للبدء بتسيير الدورية المشتركة، لكن القادة العسكريين الأتراك أخبروا الجانب الروسي أنهم لن يخرجوا في الدورية، لتعود المدرعات الروسية إلى قواعدها في عين العرب.
ما خيارات تركيا؟
كما وجهت القوات التركية رسالة أخرى إلى لروسيا ونظام الأسد بانتشارها في مدينة سراقب بريف إدلب الجنوبي في كل الاتجاهات، وتكمن أهمية الرسالة في أن المدينة تحتضن طريقي "إم 5" و"إم4" الدوليين، والذي يرجح أن العمليات العسكرية الدموية من قبل نظام الأسد وحلفائه تشن لأجلهما.
وتسعى قوات الأسد خلال الفترة القادمة للسيطرة على مدينة سراقب كما حصل خلال الفترة الماضية؛ حيث خسرت المعارضة أبرز مناطق ريف إدلب الجنوبي على طريق "إم 5"؛ مدينة معرة النعمان، وقبلها خان شيخون.
ويعد استمرار بقاء القوات التركية في سراقب سداً أمام تقدم قوات النظام السوري، ما قد يدفعها لمواجهة أكبر مع الجيش التركي، خصوصاً أنها تنتشر بكل جهات المدينة الأربع.
ويدعم ذلك مواصلة تركيا إرسالها للأرتال العسكرية إلى داخل مدينة إدلب، حيث تضمنت قافلة تضم عربات مدرعة ومعدات عسكرية، وسط حماية مشددة.
وذكرت وكالة "الأناضول"، يوم الاثنين (3 فبراير الجاري)، أن "القافلة مؤلفة من 15 عربة، تضم مدافع، وناقلات مدرعة للجنود، من مختلف الوحدات العسكرية في أرجاء البلاد".
وزادت تركيا من إرسال الأرتال العسكري إلى إدلب خلال الأيام الماضية، بعد تقدم قوات النظام السوري بدعم من الطيران الروسي في الريف الجنوبي.
وبينت صحيفة "عنب بلدي" السورية أن الفرق المقاتلة وعشرات المدرعات التي باتت منتشرة بكثرة في ريفي إدلب وحلب مختلفة عن التعزيزات السابقة.
ويرى الصحفي السوري إبراهيم العلبي في خضم ما يجري على الأرض السورية أنه "فعلياً لا بد من وجود الضوء الأخضر الروسي بسبب حساسية الموقف الميداني وحساسية العلاقة التركية الروسية من جهة، ولأن روسيا منذ بدأت تدخلها في سوريا نالت في المقابل قرار السلم والحرب وكل التحركات العسكرية".
وقال العلبي في حديث مع "الخليج أونلاين": "من الواضح أن مقتل جنود أتراك في قصف من قبل قوات النظام لن يمر دون تبعات وعقاب على جميع المعادلات الحاكمة للمشهد، بما فيها التنسيق الروسي التركي، ويمكن القول إن عدم مشاركة الجانب التركي في الدورية المشتركة مع روسيا اليوم في عين العرب باكورة هذه التبعات".
وبخصوص قيام عملية عسكرية تركية واسعة في إدلب يعتقد العلبي أن "الأمر يعتمد على كيفية تطور الأمور، وإن كان الأرجح أنه سيتم احتواء التوتر بين روسيا وتركيا وإن كان بقواعد جديدة وقابلية أكثر من السابق لاندلاع مواجهة جديدة، أما العملية التركية الواسعة فهي سيناريو بعيد جداً في ضوء المعطيات الحالية".
وأكّد أن خيار تركيا الوحيد هو "دعم الجيش الوطني السوري بكافة أشكال الدعم المطلوب لكسر شوكة النظام، وإجبار روسيا من خلفه على الاختيار بين علاقتها مع تركيا أو مع النظام ولو جزئياً على الأقل".