الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا وليبيا دموية المشهد وتكرار اللاعبين.. فهل تتشابه المآلات؟

سوريا وليبيا دموية المشهد وتكرار اللاعبين.. فهل تتشابه المآلات؟

27.06.2020
محمد ياسين نجار


سوريا تي في
الخميس 25/6/2020
انطلق قطار الربيع العربي من دول عانت من الاستبداد والديكتاتورية، اتّسمت تلك التجارب بتعقيدات واجهت الشعوب في عملية التحول نحو الديمقراطية ودولة المواطنة.
انفردت تونس بتجاوز مرحلة الديكتاتورية بسبب تعاون الجيش ومؤسسات الدولة مع النقابات والأحزاب المعارضة ووجود شخصيات كاريزمية مؤثرة، أما اليمن وليبيا وسوريا فإنهم دخلوا في أتون الصراعات الدولية لأسباب مختلفة.
قضية تشابه المشهد في سوريا وليبيا ليست بجديدة، فالنظامان تشابها في قضايا عديدة منذ نصف قرن مضى، طريقة الوصول للحكم وأسلوب الحكم داخليًا وخارجيًا
وقاما بالتدخل العسكري في دول الجوار في تشاد ولبنان وحاولا استئصال الإسلاميين لتخوفهما من قدرتهم على تهديد سلطتهم؛ فزجوهم في غياهب السجون واشتهرا بمجازر شهيرة مثل مجزرة سجن أبو سليم في ليبيا 29 حزيران – يونيو 1996 ومجزرة سجن تدمر27 حزيران – يونيو 1980 في سوريا. تخلصا من معارضيهم بالقتل كوزير الخارجية منصور كيخيا في القاهرة كانون الأول - ديسمبر 1993 ورئيس الوزراء البعثي صلاح الدين بيطار في باريس 21 تموز- يوليو 1980، تخلص القذافي من الإمام موسى الصدر في 31 اب - اغسطس 1978 والأسد الابن من الرئيس رفيق الحريري بتفجير سيارته في 14 شباط - فبراير 2005، دعم القذافي الأسد بمبلغ 200 مليون دولار كي يرضي بها شقيقه رفعت بعد إبعاده عن سوريا ضمن التسوية التي تمت بينهما، على صعيد الفساد كلاهما أخفيا ملف عائدات النفط عن الرقابة مما جعلهما على قمة الأثرياء العرب وربما العالم، حاول القذافي توريث الحكم لابنه سيف الإسلام مستلهما تجربة الأسد الأب عندما ورث الحكم لابنه عام 2000.
أما إذا انتقلنا لتقييم الطرفين المنحازين للثورة فيلاحظ المتابعون تفوقًا لصالح حكومة الوفاق الحائزة على الشرعية الدولية مما يجعلها أكثر توازنًا ومقدرة في التعامل مع الأطراف الدولية بالإضافة إلى امتلاكها التمويل المقبول من عائدات النفط لتسيير أمورها، بينما خسرت المعارضة السورية فرصة تحرير إدلب حتى تُحَول الاعتراف السياسي الحاصلة عليه في مراكش 12 كانون الأول – ديسمبر 2012 إلى اعتراف قانوني، فهي تعاني من تنازع الأطراف الداعمة لها مع عدم امتلاكها لقيادة كاريزمية مجمع عليها وطنيًا وانعدام التمويل، بينما إذا انتقلنا إلى المعسكر المعادي للثورة فيلاحظ تقاربًا ملحوظًا بين حفتر ونظام الأسد والذي توج أخيرًا بزيارة وفد من حكومة حفتر الغير شرعية إلى دمشق والتي أعلن بموجبها افتتاح سفارة في دمشق، بينما يُلاحظ أن غالبية قوى الثورة داعمة لحكومة الوفاق لكنها لم تستثمر ذلك سياسيا حتى الآن.
على صعيد اللاعبين الدوليين المؤثرين؛ ففي المشهد السوري يلاحظ المتابع انحسار نفوذ المؤثرين لصالح دول محدودة؛ تركيا في الشمال أميركا في الشرق وروسيا في الغرب وإيران في الوسط والجنوب، أما المشهد في ليبيا فإن تركيا أصبحت داعمًا رئيسًا لمنطقة الغرب بعد الضوء الأخضر الأميركي وتأييد إيطاليا لها، أما منطقة الشرق فتدعمها روسيا والإمارات ومصر وفرنسا.
لقد أصبح الدور التركي والروسي متناميًا خلال الفترة الماضية، ففي ليبيا اتبعت تركيا أسلوب التدرج بالتدخل لتهيئة المسرح الدولي فقاما بترسيم الحدود البحرية ومن ثم طلبت حكومة الوفاق تدخل تركيا عسكريًا لحماية طرابلس من السقوط بيد الجنرال المتقاعد حفتر.
لقد كان تدخل القوات التركية حاسما مع استخدام طائرات الدرونز والتي كشفت عن ضعف قوات حفتر وأن المرتزقة الذين تم استجلابهم سواء فاغنر الروسية أو ميليشيات الأسد ليسوا قادرين على صد الهجوم الذي استطاع الوصول إلى محيط سرت.
إن عملية الوجود التركي في سوريا تطلبت أربع مراحل بسبب تعقيدات الملف وخشيتها في البداية من استدراجها إلى أتون حرب غير مستعدة لها، وإن الدور التركي الحالي لم يعد مجرد تأثير سياسي في الملف؛ فلقد أصبحت تركيا تمتلك نفوذًا لا يمكن لأحدٍ أن ينكره، فقواتها تضم عدة آلاف من قوات النخبة وتمتلك قواعد عسكرية محصنة في مناطق استراتيجية وطائرات الدرونز منعت سيطرة نظام الأسد على إدلب وكبدته خسائر فادحة في هجومه الأخير مما أدى إلى توقف قسري للطيران الذي استهدف المدنيين وقام بتهجيرهم.
أما الدور الروسي في سوريا فكان أكثر فاعلية وتأثيرًا بعد تدخلهم في سبتمبر 2015 وإنشاء قاعدة حميميم بالإضافة إلى قاعدة طرطوس وقصفت طائراتها المناطق المحررة بدون أية محاسبة مع غطاء جوي هام لميليشيات الأسد وحلفائه، بينما كان دور روسيا العسكري في ليبيا يتخفى وراء ميليشيات فاغنر.
إن أساس الموقف الروسي في كلا البلدين هو الاستفادة من الفراغ الاستراتيجي الحاصل في منطقة الشرق الأوسط والرغبة بالتحكم في خطوط إمداد النفط الواصلة إلى أوروبا وتجذير وجودها في البحار الدافئة وإحاطة قوات الناتو من الجنوب والتغلغل إلى أفريقيا وإضعاف الدور التركي من خلال إدخاله بالمزيد من الخلافات مع الأطراف الإقليمية ودول أوروبا.
إنَّ المباحثات الروسية التركية لم تعد تنحصر في الملف السوري بل أضيف إليه ملف ليبيا الأكثر سخونة خلال هذه الفترة، إلا أن الترتيبات لاجتماع عال فيما بينهما تعيقه بعض الأمور والتفاهمات على الملفين، علمًا بأنَّ داعمي حفتر يخشون من استمرار انهياراته لذا سارعوا للحديث عن حل سياسي والجلوس على طاولة المفاوضات طالما رفضوها ضمن شروطهم، أسوة بمواقف نظام الأسد منذ لقاءات جنيف واللجنة الدستورية، وهي استراتيجية تعتمد على كسب الوقت لتهيئة ظروف أفضل، إلا أن حكومة الوفاق أيضا تستخدم تكتيكًا ضاغطا عبر طلبها التحقيق الدولي بخصوص المقابر الجماعية والأسلحة الكيميائية المكتشفة في ترهونة ولقاءات دولية على مستوى عال، مما استدعى تدخلًا مصريًا متصاعدًا توجَّه الرئيس السيسي باعتبار سرت والجفرة خطًا أحمرًا وطلبها اجتماعًا عاجلًا للجامعة العربية.
ان سردية تشابه بدايات نظام الأسد ونظام القذافي ودموية كلا النظامين وحتى أسلوبهما في الحكم ومعاناة شعبيهما لا يمكن أن تتجاهلها العين المجردة، لكن يتساءل المحللون السياسيون الذين يراقبون المشهد، هل تفرض أوجه التشابه بين واقع البلدين تشابها بالمآلات من خلال حلول سياسية تقدمها الأطراف المؤثرة عبر سلة واحدة تنهي عذابات الشعبين؟
أم تستمران بؤرتين ملتهبتين بما يشبه الواقع الأفغاني الذي كانت روسيا السوفيتية المسبب الرئيسي لعذابات الأفغانيين طيلة الفترة الماضية !؟.