الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السجع السوري: عباس بدبّاس

السجع السوري: عباس بدبّاس

29.06.2015
خطيب بدلة



العربي الجديد
الاحد 28/6/2015
لا يمكن، في الواقع، خلطُ عَبَّاس بدبّاس؛ فالأولُ اسم عَلَم مذكر، والثاني لقب يطلق على صانع الدبس، ولكن وجودَ "السجع" بين الكلمتين يُجِيْزُه، والعرب يجيزون كل شيء، في اللغة، وفي الواقع، حتى قيل في الأمثال: كله عند العرب صابون.  حينما يصلُ زيدٌ من الناس، في حديثه، إلى نتائج لا علاقة لها بالمقدمات التي عرضَها، هو نفسه، يكون إنما بلغ ذروة الخلط بين عباس ودباس. مِنْ ذلك إعلان المتحدث باسم الجيش السوري أن قواته انسحبت من بعض المدن السورية، لتجنيب هذه المدن الدمار من الإرهابيين التكفيريين. وفي الوقت نفسه، يقوم الطيران الحربي، العائدُ لهذا الجيش نفسه، بدءاً من لحظة الانسحاب، بتدمير المدن نفسها، وعلى نحو ممنهج.  إنك ترى شخصاً (لا يصلحُ للخل ولا للخردل)، مثل بشار الأسد، وقد تحول إلى رئيس، فتتعجب. تراه وهو: يُرْعد وَيُزْبد، ويصيح ويستريح، ويقبُّ ويشرئبُّ، فتندهش. سألوه، في بداية الثورة، عن احتمال مشاركة ميليشيات (الحاشْت ناشْت) إلى جانبه في قمع الثائرين، فقال ما معناه إن: قواتنا جواتنا، وزادُنا على قَدّنا. وأضاف إننا لا نحتاج من الـ (غَبَّرْتي وكَلَّسْتي) غير: الدُّعَاء بعد صلاة العِشاء. الحكم الفردي الديكتاتوري هو، في الحقيقة، شأن عربي أصيل، لا ينازعُنا عليه شعبٌ من الشعوب، فإن ابتلي شعبٌ ما بديكتاتور، سرعان ما يزول، وينطفئ ذكره وكأنه لم يكن قط. يمتلك الحاكمُ العربي، منذ أقدم العصور، صلاحياتٍ لا ينازعه عليها أحدٌ من الشعب أو من السياسيين. وقد وصل الهَزْلُ بأحد الخلفاء إلى حد أنه أراد أن يُملي على كاتبه خطاباً موجها لوالي مدينة (قُمْ)، ابتدأه بقوله: أيها الوالي بقُمْ.. ثم توقف لحظة، وهرش رأسه، إذ نسي ما كان ينوي توجيهه. وفي لحظة ما، استهواه السجعُ، فقال: قد عزلناكَ فقم. الحكام الديكتاتوريون الذين حَكَموا البلادَ العربية في العصر الحديث لا يقلون هزلاً، وعبثاً، عن الحاكم الذي عَزَل والي قُمْ سجعاً، فحافظُ الأسد، مثلاً، كان يعين ويُسَرِّح، بجرة قلم، أو برفّة هدب. وليس التعيين والتسريح عند هذا الرجل شأناً بسيطاً كما تتوقعون، فناهيكم عن رضا الله والوالدين، كان رضى حافظ الأسد يعني رفع رجل وضيع، ضحلِ العلم والثقافة، فقيرٍ لا يمتلك ثمن سروال يستر به مؤخرتَه، إلى مستوى أن تصبح لديه سيارات، وشركات، وعمارات، وأرصدة في البنوك، ونسوان، وباديجاردات، وجيش من المَرؤوسين الذين يُؤمرون فيُلَبُّون. كل هذا ليس له مقابل سوى الالتزام بشيء يتألف من أربعة أحرف: ولاء. أما الذي يغضب عليه حافظ الأسد، فسرعان ما يقيله بكلمات مسجوعة، أو غير مسجوعة، أو بَيْنَ بين. والإقالة عنده أنواع: واحد يترك منصبه الكبير، ويُكافأ بإرساله سفيراً إلى دولة أوروبية آمنة، ليمضي بقية عمره متنعماً بما سرقه من أموال السوريين. وثانٍ مكافأتُه أقل، إذ يُوَجِّهُ الأسدُ القيادةَ القطرية بتعيينه عضواً في مجلس الشعب، ابتداء من أول انتخابات قادمة. وثالث يُرسل إلى بيته، ويوضع تحت إقامة جبرية حتى يموت. ورابع يذهب إلى السجن، ويبقى هناك حتى يموت. وخامس يُطلب منه الانتحار بمشطين من الرصاص، مثلما حصل مع محمود الزعبي وغازي كنعان.        ومن طرائف تعيينات حافظ الأسد أنه سمع أن محافظ حلب، محمد مصطفى ميرو، وصلت به الدناءة أنه إذا اصطرع شخصان في حلب من أجل معزاة لا يقبل أن يتدخل لفض الخلاف بينهما، إذا لم يأخذ من أحدهما بضعة كيلوغرامات من اللبن، ومن الثاني رسن المعزاة، وقد استدعاه الأسد، وأطلعه على ملف الفساد الخاص به، ثم عينه رئيساً لمجلس الوزراء. هذا ما كان، سيداتي سادتي، من شأن مسجوعات نظامٍ، كان آخرها عبارة الأسدْ أو نحرق البلدْ.