الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا يترجّح سقوط الغوطة الشرقية؟

لماذا يترجّح سقوط الغوطة الشرقية؟

10.03.2018
خديجة جعفر


الجزيرة
الخميس 8/3/2018
يؤسفني أن أكتب مثل هذا التحليل الذي لا يرى فيما يحدث الآن من تصعيد على الغوطة الشرقية منذ التاسع عشر من فبراير الماضي سوى أنّها معركة النهاية التي قد تتلون فيها الغوطة الشرقية باللون الأحمر قريبًا على الخريطة الحيّةlive u map .
بادئ ذي بدء، فإنّ المعارك البرية بين الثوّار والأعداء لم تتوقف كثيرًا في الغوطة الشرقية طيلة سنوات حصارها الخمسة، كما لم تتوقف حملة القتل والتطهير من الجوّ التي كانت تحصد يوميًا عددًا من أنفس الأطفال والرجال والنساء. وقد أسفرت تلك المعارك المتصلة عن استيلاء الميليشيات الأسدية على مساحة من شرق وجنوب الغوطة الشرقية تقترب من ثلث المساحة التي كان يسيطر عليها الثوار في بداية 2016.
ولذا، فإنّ التصعيد البرّي والجوّي الذي اشتدّ منذ 19 فبراير الماضي يشير أنّ قرارًا اتُخذ من القيادة المركزية للتحالف الثلاثي (إيران، روسيان سوريا الأسد) بإنهاء معركة الغوطة الشرقية، وهو الأمر الذي نراقب تطوراته في الوقت الحالي. أعيد القول أنّ محاولة تحليل وفهم معركة الغوطة الشرقية الآن هي مصدر للألم الكبير والوجع الشديد لما آلت إليه الثورة السورية ولما يتوجّب علينا فهمه رغم هذا الألم.اشتراك روسيا في الحرب تعني المناعة والحصانة من المساءلة عن الجرائم فضلاً عن إيقافها، هذا، في حين يخوض الثوار معركتهم وحدهم دون شراكة من دول ذات سيادة موازية لدولتي روسيا وإيران
هناك أسباب وسياقات عدّة يجب أخذها في الاعتبار حين النّظر لمعركة الغوطة الشرقية الآن:
الحرب الاستراتيجية في مقابل المعارك الدفاعية الصغيرة:
التحالف الثلاثي يخوض حربًا كبرى باستراتيجية واضحة، وبالتأكيد فهذه الحرب هي حرب هجوم ومبادرة ذات معارك متعددة، في حين لا يملك الثوار سوى المعارك الدفاعية الصغيرة التي يصدون بها هجوم المعتدي في حين لا تنتظم هذه المعارك الصغيرة في إطار حرب كبرى ذات استراتيجية واضحة وأهداف صغرى.
بالإضافة لذلك، فاشتراك روسيا في الحرب تعني المناعة والحصانة من المساءلة عن الجرائم فضلاً عن إيقافها، هذا، في حين يخوض الثوار معركتهم وحدهم دون شراكة من دول ذات سيادة موازية لدولتي روسيا وإيران. هذا من الأساس يجعل الكفتين غير متعادلتين.
تهجير ريف دمشق الثوري وترك الغوطة لوقت لاحق
في إطار هذه الاستراتيجية فقد نجح الحلفاء الثلاثة (روسيا وإيران وسوريا الأسد) في فصل وعزل مناطق الثورة الخضراء في ريف دمشق مبكرًا ثمّ نجحوا مرة أخرى عبر تكتيكات حربية وسياسية متعددة في تهجير الثوار العسكريين والمدنيين من المناطق المحرّرة، بعد أن أبادوا بالقصف الجوي ما استطاعوا من أنفس. حدث هذا في ريف حمص عام 2014 ثم حدث في ريف دمشق عام 2016 الذي سميّ "عام الباصات الخضراء" ففيه هجّر من ريف دمشق ثوار المدن الآتية: الزبداني، مضايا، داريا، قدسيا، الهامة، معضمية الشام، خان الشيح، الكسوة، زاكية، كناكر، بيت جنّ، التل، وادي بردى، حيا القابون وبرزة الدمشقيان.
تبقّت الغوطة الشرقية وحدها إذن في حصار مطبق في محيط من اللون الأحمر لا يجاورها من مناطق خضراء سوى مخيم اليرموك، في جنوبها الغربي، ومدينة الضمير وجبال القلمون في شمالها الشرقي، وقد دخلت الأخيرة في هدنة مع النظام منذ سبتمبر عام 2012 فهي مأمونة الجانب لميليشيات الأسد.
"تقطيع الجغرافيا" مع قصف جوي مميت: سياسة حربية مجرّبة في ريف دمشق
هناك تكتيك متكرر اتبعته الميليشيات الأسدية في وقت سابق في ريف دمشق، مبنية على مهاجمة المنطقة الجغرافية الثورية من المنتصف وفصلها إلى منطقتين منفصلتين، وحصار كلّ واحدة منها على حدة وعزل كل منطقة عن الأخرى، مع تكثيف الغارات الجوية التي تشمل كثيرًا القصف بالغازات السامة، وبعد هذه الإبادة المنظّمة تأتي مرحلة عقد المفاوضات والتسويات مع كلّ منطقة على حدة.
حدث هذا سابقًا في "داريا" مع "معضمية الشام" فقد كانا منطقة واحدة في نهاية 2015 ثمّ شنت الميليشيات النظامية حربها على المنتصف فقسمت المنطقة الواحدة إلى اثنتين.
ثمّ نفّذت الميليشيات هذه الاستراتيجية مرة أخرى في القطاع الجنوبي مع الغوطة الشرقية، ففصلتهما ثم استولت على جنوب الغوطة الشرقية في 19 مايو 2016.
وفي المعركة الجارية الآن، تعيد الميليشيات الأسدية تنفيذ هذا التكتيك مرة أخرى، فهاجمت القطاع الأوسط وتوغلت فيه لتفصل شمال الغوطة (يسيطر عليها جيش الإسلام) عن جنوبها (يسيطر عليها فيلق الرحمن). وبهذا الفصل، ستزداد وطأة الحصار، وسيمنع التواصل والتنسيق بين المنطقتين، وفي لحظة ما (قد لا تكون بعيدة) سيجلس ممثلون عن الثوار للتفاوض حول شروط الخروج.
قضم الأطراف البطيء: سياسة حربية أخرى مجرّبة في الغوطة الشرقية
استطاعت الميليشيات البرية قضم العديد من بلدات الغوطة الشرقية في جبهتها الشرقية وجبهتها الجنوبية في معارك صغيرة في عام 2016 حتّى تساقطت البلدات الجنوبية والشرقية كأحجار الدومينو مع نهاية 2016. وفي الحقيقة، فإنّ الجغرافية التي يسيطر عليها الثوار في الغوطة تعادل أقل من نصف الجغرافية التي كان في حوزتهم في بداية عام 2016. استمر تنفيذ هذا التكتيك في المعركة الحالية فاستطاعت الميليشيات قضم المزيد من البلدات في شرق وجنوب وشمال الغوطة كان آخرها المحمدية والشيفونية والريحان.
 في النهاية، فبالتأكيد فإن الثوار يسطرون صحائف من بطولات في تصديهم لقوى اجتمعت عليهم من دول كثيرة من الجو ومن البر، بل وإيقاعهم خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد في صفوف هذه الميليشيات المعتدية، ويكفي المدنيين الثوار فخرًا صبرهم على حصار من أطول الحصارات التي عرفتها الحروب. ولكن قد لا تكفي البطولات وحدها في انتصار ثورة تئن تحت وطأة حرب إبادة منظمة.