الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية.. الرهان على الوقت

سورية.. الرهان على الوقت

03.10.2019
آلان حسن


العربي الجديد
الاربعاء 2/10/2019
لم يكن فرقاء الحرب السورية يتوقعون أن يصل بهم الحال كيومهم هذا. الواقع الذي فرضته توازنات القوى الإقليمية والدولية لا يطمئن أحداً الآن، حتى بات تغيير النزر اليسير من خريطة توزع السيطرة بحاجة لتدخل إحدى القوتين العظميين (الولايات المتحدة الأميركية وروسيا) وحسب. وفي ظرف معقد كالذي تعيشه سورية، يعوّل الجميع على عامل موضوعي غير مضمون النتائج؛ وهو عامل الوقت.
راهنت الولايات المتحدة بدايةً على سقوط الحكومة السورية، بفعل المعارضة الداخلية منذ عام 2011، ودعم القوى الإقليمية لها، واقتصر دعمها آنذاك على الجانبين، السياسي واللوجستي، في حده الأدنى، وما لبثت أن انخرطت في أتون الحرب، إلى أن وصلت إلى مرحلة المشاركة المباشرة عام 2014، إثر نحر مواطنها جيمس فولي على يد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. ويعاني الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة من التشرذم الذي سبّبته الخلافات بين محوري السعودية والإمارات ومصر من جهة، وتركيا وقطر من جهة أخرى، وكان الرهان حينها على الوقت لسقوط الحكومة المركزية في دمشق، ارتدّ عكسياً عليهم. وكانت الغاية أن تفقد حكومة دمشق زمام الأمور بفعل العمليات العسكرية، والعقوبات الاقتصادية، وكذلك التعويل على انتفاض حاضنته الشعبية ضده، حين تطول بهم الغمّة.
منذ عام 2014 والولايات المتحدة موجودة بعسكرييها في شرق نهر الفرات، ودعمت مقاتلي
"أثبتت الحرب السورية أن لا منتصر فعلياً فيها" وحدات حماية الشعب (الكُردية) في حربهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية إثر اجتياح مدينة كوباني (عين العرب) أواخر عام 2014، وساهمت فيما بعد بإنشاء قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تشكل "الوحدات" قوامها الرئيسي. ولاحقاً مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) الذي ظل يعتمد على المتغيرات العسكرية على الأرض، سعياً إلى إيجاد واقع يتم الاعتراف به محلياً وإقليمياً ودولياً، وظل هو الآخر يراهن على عامل الوقت، لتطبيع الأوضاع، ولكن ذلك لم يحدث ألبتة، فلا مشروع الإدارة الذاتية المعلنة منذ 2014 نال اعترافا من حلفائه، وكذلك المشروع الفيدرالي المعلن ربيع 2016، والذي وئد من دون أن يعترف به أحد.
ويشكل الصراع بين حليفي الولايات المتحدة ("سورية الديمقراطية" وتركيا) أحد أكبر الهواجس لها في المرحلة الراهنة، فأنقرة لا تقبل وجود قوات عسكرية، تعتبرها امتداداً لحزب العمال الكُردستاني المحظور في تركيا إثر صراع ممتد منذ عام 1984، أو القبول بإدارة ذاتية بقيادة كُردية على امتداد حدودها الجنوبية من ديريك/ المالكية وحتى كوباني. وهذا ما كان يشكل الهاجس التركي الأكبر، ما حدا بها إلى التدخل العسكري المباشر مرتين في سورية، أولها في 2017 وسيطرت بموجبه على المدن الواقعة بين "إقليميّ" كوباني وعفرين، والأخرى في عام 2018 وسيطرت فيها على عفرين.
راهنت تركيا على تضعضع الوضع الداخلي داخل مناطق الإدارة الذاتية، واستغلال ضعف الإدارة، وانفراد حزب الاتحاد الديمقراطي بالسلطة، وعوّلت، في هذه الحالة، على إقناع الولايات المتحدة الأميركية بسحب دعمها الإدارة الذاتية في شرق الفرات، في مقابل إزالة الخلافات المتزايدة بينهما منذ رفض أنقرة استخدام الأراضي والأجواء التركية للعملية العسكرية الأميركية لإسقاط نظام صدام حسين في العراق عام 2003، وكذلك العودة إلى التحالف الاستراتيجي بين الحليفين الأطلسيين. بالإضافة لاعتمادها على معارضة المجلس الوطني الكُردي الموالي لإقليم كُردستان العراق، وأحد مكونات الائتلاف الوطني السوري المعارض للحكومة السورية، والموالي لتركيا. لم يحدث ذلك تركياً؛ لذا فإن حكومة الرئيس التركي أردوغان أصبحت الوحيدة التي تخشى عامل الوقت، وباتت تتخوّف من سيناريو مشابه لاتفاق منبج بينها وبين الولايات المتحدة، حيث بقيت واشنطن تقف في منتصف الطريق بين حليفيها "سوريا الديمقراطية" وتركيا. وخشية تركيا جعلتها أكثر استعجالاً في تحقيق أهدافها في الميدان السوري، فباتت تضغط بكل ما لها من قوة لتغيير الواقع على الأرض، وتهديداتها باجتياح شرق الفرات مؤشر على نفاذ صبرها، والرغبة في إزالة هواجسها من تطوراتٍ لن تكون مستعدة لتقبلها.
أما "مجلس سورية الديمقراطية" فينتظر تفجر الأوضاع في تركيا، وإضعاف حزب العدالة 
"ينتظر الفرقاء من الوقت أن يصنع لهم ما لم يستطع هو فعله لنفسه"والتنمية وزعيمه أردوغان، وما خسارته أكبر مدينتين تركيتين في الانتخابات البلدية منتصف عام 2019 إلا جزءاً من السيناريو المثالي الذي تنتظره "قسد". وتراهن "سوريا الديمقراطية" أيضا على طلاق بائن بين تركيا والولايات المتحدة، بفعل التحالف بين أنقرة وموسكو وطهران الذي نتجت عنه سلسلة اجتماعات أستانة وما تبعته من اتفاقات خفض تصعيد، "شرّعت" الوجود التركي، ولو مؤقتا، داخل الأراضي السورية، في مقابل توسيع رقعة سيطرة الجيش السوري وحلفائه على مناطق كان من الصعوبة بمكان إنجازه لولا اتفاقات وقف الصعيد تلك.
كذلك، تكون المفاوضات بين مجلس سوريا الديمقراطية والحكومة السورية دائماً مشبعة بالتسويف من الجانبين، فالأخيرة تنتظر تنازلاتٍ أكثر من "مسد"، تحت ضغط التهديدات التركية وانسحاب واشنطن من المشهد السوري، أما "سورية الديمقراطية" فتريد فرض أمر واقع مستدام، بفعل اقتناع واشنطن بالبقاء في شرق الفرات، والتحالف مع حكومة محلية تؤمن مصالحها المتمثلة بمناهضة الوجود الإيراني في سورية، وربما مواجهة إعادة التموضع التركي في علاقاته مع محور موسكو - طهران.
ينتظر الفرقاء من الوقت أن يصنع لهم ما لم يستطع هو فعله لنفسه، وقد أثبتت الحرب السورية أن لا منتصر فعلياً فيها، ووحده الشعب السوري يدفع تكاليفها، ويتحمل تبعات إخفاقات نفسه، وحلفائه وخصومه.