الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اليوم التالي.. في سوريا

اليوم التالي.. في سوريا

29.06.2015
د. وائل مرزا



الشرق القطرية
الاحد 28/6/2015
مع تطور الأحداث الأخيرة والهزائم التي يتلقاها النظام السوري القمعي الفاجر سياسياً وعلى الأرض، فإن اليوم التالي لبشار الأسد ولنظام الفساد والظلم والتسلط قد بات وشيكاً. وهذا الوضع الجديد يتطلب منا نحن العاملين في سبيل وطنٍ حرٍ وكريمٍ وخالٍ من الظلم، وطنٍ يعيش فيه كل السوريين أحراراً كراماً متساوين، أن نكون على أهبة الاستعداد للمساهمة في بناء هذا الوطن الجديد..
هذا الوضع الجديد سيتطلب منا البدء بحوارات واسعة فردية وجماعية حول معنى سقوط النظام والمرحلة الانتقالية التي ستلي سقوطه بانتظار قيام جمهوريةٍ سوريةٍ جديدة تبنى على أساس الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان. وينبغي التركيز على النقاط التالية.
من المفيد التذكير أن إسقاط النظام لا يعني إسقاط الدولة ومؤسساتها. ينبغي التفريق بين العائلة الحاكمة والنظام السياسي وأجهزة القمع والميليشيات الطائفية البغيضة وبين مؤسسات الدولة التعليمية والصحية والمالية والخدمية. وبينما ينبغي إزالة الأولى ينبغي المحافظة على الثانية بكل ما أوتينا من عزم وقوة..
هذا هو الوقت المناسب للتأكيد على أهمية مبدأ سيادة القانون. مباشرةً بعد سقوط النظام، سيتعين على الشعب السوري ونشطاء الثورة والحكومة الانتقالية تحقيق العدالة والبدء بإرساء مبدأ سيادة القانون، والتأكيد على القطيعة مع الممارسات القمعيّة للنظام السابق، ووضع حجر الأساس لمبادئ المساءلة والشفافية..
سيكون من الظلم والمعيب أن ينجو كبار المرتكبين بجرائمهم. ينبغي على الناشطين المدنيين التأكيد على إعلاء شأن المحاسبة. ومن هنا تأتي مسألة العدالة الانتقالية التي ستعمل على إعادة فرض المساءلة وتحقيق المصالحة، وتحميل كافة الجناة المسؤولية بغض النظر عن هوياتهم..
ينبغي التأكيد على المبدأ القائل: "ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى"، ورفض مبدأ الثأر وترك مسار العدالة الانتقالية يأخذ مجراه لإدانة كبار المرتكبين والسير في طريق بناء سوريا بلداً لكل السوريين. ويجب التأكيد على فكرة الدستور. إن المرحلة الانتقالية، لكي تكون شفافةً ومثمرة، ينبغي أن تستند إلى دستورٍ مؤقت ريثما يتم كتابة دستور جديد للبلاد..
ينبغي العمل القوي من أجل بناء الثقة بين القيادات السياسية للجماعات المعارضة وبين الجيش السوري الحر والمجموعات المسلحة المعتدلة، وإطلاق الجهود التي تهدف إلى تعزيز القيادة والانضباط بين المعارِضة المسلحة، وضمان التزام هذه الجماعات بمبادئ حقوق الإنسان، وانصياعها للقيادة المدنية..
نحن أمام بداية المرحلة الأصعب من الثورة السورية. وبينما يقوم السياسيون بواجبهم والعسكريون بواجبهم، فإنما على عاتقنا نحن الناشطين المدنيين عبء رفع مستوى الوعي والتحذير من الأخطاء ومحاولة منع حدوثها، أو إصلاحها في حال وقوعها بأقل الخسائر الممكنة. وليكن شعارنا: معاً لتحولٍ سياسيٍ واجتماعيٍ واقتصاديٍ ديمقراطي، يحافظ على كرامة السوريين ومساواتهم التامة، ويعلي من شأن سيادة القانون وبسعي لتحقيق العالة الانتقالية، ويصلح من شأن الأجهزة الأمنية ويضع دستوراً جديداً كريماً للبلاد، يستحقه السوريون بكافة أطيافهم.
الفقرات الواردة أعلاه جزءٌ من رسالةٍ للسوريين وجَّهَها لهم مؤخراً فريق (اليوم التالي) في سوريا. الفريق مؤلفٌ من خبراء وأكاديميين ومتخصصين سوريين في مختلف المجالات، وكان قد أنجز مشروعاً متكاملاً يضبط ملامح مرحلة ما بعد سقوط الأسد في ستة مسارات: الأسس الحقوقية، العدالة الانتقالية، إصلاح القطاع الأمني، الإصلاح الانتخابي وإنجاز التعديلات الدستورية، الإصلاح الدستوري، الهيكلة الاقتصادية والسياسات الاجتماعية.
هذه الرسالة، التي لم تصل إلى الكثير من السوريين للأسف، على أهميتها، تُذكرنا بأمرين في معرض الدعوة المتواصلة للعمل على تهيئة أسباب نجاح مؤتمر الرياض للمعارضة السورية: أن ثمة خبراء ومتخصصين سوريين متميزين يمكن لهم إنجاز الرؤية المطلوبة بشكلها المحترف والشمولي. والأهم من هذا، أن جزءاً مُقدراً من هذه الرؤية موجودٌ ابتداءً.
لاشك أن هناك حاجةً لأخذ المُعطيات الجديدة، التي حدثت خلال السنتين الماضيتين، بعين الاعتبار عند محاولة تطوير رؤيةٍ جديدة. لكن الذي يطلع على تفاصيل العمل، وهي موجودةٌ بتفاصيلها على موقع (اليوم التالي)، يُدرك أن الجهد لايجب أن يبدأ من نقطة الصفر، ولاحرجَ في التأكيد أن أكثر من نصف المهمة المطلوبة، على الأقل، تم إنجازهُ فعلاً.
ذكرنا سابقاً أن من شروط نجاح مؤتمر الرياض، بالمعنى العملي وليس النظري فقط، ارتفاعُ وتيرة الضغط العسكري على النظام، ومحاصرته تدريجياً في مختلف مناطق البلاد. وهذا ما يستمر بشكلٍ واضحٍ كان مثالهُ الأخير التقدمَ العسكري للمعارضة في الجنوب. فالسوريون يثبتون لأنفسهم، ولمن يهمه الأمر، مرةً تلو أخرى، أنهم قادرون، بالحد الأدنى من الدعم، على القيام بواجبهم الميداني. وهذه ميزةٌ تؤخذُ بعين الاعتبار في الحسابات الإستراتيجية. خاصةً عند مقارنتها بحالات أخرى ترتفع فيها كلفة الدعم السياسية والعسكرية، لكن التطور فيها يبقى بطيئاً مقارنةً بالحالة السورية.
لايقتصر الأمر على قدرة السوريين على التعامل ميدانياً مع النظام وهزيمته، وإنما تسري القاعدة نفسُها على التعامل مع تنظيم مايُسمى بـ (الدولة الإسلامية). فبشيءٍ من التحليل لمعاركه السابقة في سوريا والعراق، يصبح واضحاً أن (انتصاراته) المزعومة الكبيرة تحملُ في طياتها دوماً عناصر غير منطقية، من أهمها (الانسحابات) الغريبة التي تسبق تلك (الانتصارات). فيما عدا ذلك، ينجح التنظيم في هزيمة فصائل مشرذمة قليلة التجهيز والعدد هنا، ويتقدم بإشاعة الرعب بين المدنيين هناك.
أما حين يتعلق الأمر بالمواجهة مع قوةٍ مناسبة عددياً ومجهزة نارياً بحدٍ أدنى من التجهيزات فإن مصيرهُ الهزيمة على الدوام. وقد رأت الفصائل المقاتلة السورية مع التجربة، أكثرَ من غيرها، حقيقة كون التنظيم (فزاعةً) تنفخُ فيها قوىً إقليمية ودولية لأسباب مختلفة.
من هذا كله، يزداد إدراك القوى الإقليمية التي تقف مع الثورة السورية أن سوريا هي فعلاً المفصلُ الأساسي والأهم الذي يجب التركيز عليه في الصراع الإقليمي الإستراتيجي الراهن. لا لتكون البلاد مجرد ساحةٍ لذلك الصراع، وإنما لتكون سوريا الجديدة، ما بعد الأسد، لاعباً هاماً في تحديد نتائجه. والعملُ السياسي الواسع لتلك القوى مؤشرٌ على ذلك، وكان آخرُ مظاهره زيارة ولي ولي عهد السعودية محمد بن سلمان إلى روسيا بما رافقها من تصريحات واتفاقات..
قد يكون واقعُ المعرضة السياسية السورية في الظروف السابقة مفهوماً، لكن من غير اللائق أن تبقى بمثابة (العنصر الأضعف) مع التطورات التي أنتجت معادلةً جديدة، خاصةً وأنها تستطيع، هي تحديداً، تفعيل المعادلة بأسرها بشيءٍ من الجدية والعمل السياسي المحترف.