الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا وروسيا في سوريا.. ما الجديد؟

تركيا وروسيا في سوريا.. ما الجديد؟

21.08.2019
مجاهد مأمون ديرانية


نداء سوريا
الثلاثاء 20/8/2019
أغربت التفسيرات والتحليلات المتعلقة بالتدخل التركي الأخير وذهبت مذاهبَ شتّى ذات اليمين وذات الشمال، والسؤال الجوهري في هذا المقام هو: هل غيّرت تركيا إستراتيجيتها وأعادت ترتيب أولوياتها في سوريا أخيراً؟
رغم أن المواقف السياسية تتسم بالتقلّب المستمر الذي تفرضه الوقائع المتغيرة والمصالح المتبدلة، إلا أن الإستراتيجيات الكبرى للدول لا تتغير جذرياً بين يوم ويوم، وليست تركيا استثناء من هذه القاعدة، ولن يحتاج أيّ مراقب إلى قدرات استثنائية ليدرك أن خياراتها الإستراتيجية لا تزال اليوم كما كانت قبل خمس سنوات على الأقل، وهي ترتكز على ثلاث ركائز أو ثلاثة مبادئ أساسية:
المبدأ الأول هو تجنب الحرب الشاملة، لأن حرباً من هذا النوع من شأنها أن تدمر الإنجازات الاقتصادية والعمرانية التي حققتها تركيا خلال العقدين الأخيرين وتتسبب في خسارتها لمكانتها الإقليمية والدولية، وقد سيطر هذا المبدأ بصورة حازمة على قرارات تركيا العسكرية منذ بداية الثورة السورية، وأعيدَ تأكيده بشكل قاطع بعد إسقاط طائرتها في البحر قبل سبعة أعوام، ويبدو أن القيادة التركية ستستمر في تبنّي هذا الخيار على المدى المنظور.
المبدأ الثاني هو تأمين حدودها الجنوبية بمنطقة عازلة آمنة تمتد في الأراضي السورية من المالكية إلى عفرين؛ وذلك لتحقيق هدفين إستراتيجيين:
(1) إبعاد الميليشيات الكردية الانفصالية عن الأرض التركية ومنع أيّ احتمال لتواصل جغرافي بين دُويلة كردية سورية وأكراد تركيا على المدى الطويل.
(2) توفير منطقة آمنة قادرة على استيعاب ملايين المهاجرين السوريين في تركيا، على الأقل من يرغب منهم بالعودة الطوعية إلى بلادهم المحررة.
المبدأ الثالث هو تثبيت الوضع العسكري في الشمال وعدم السماح بسقوط المناطق المحررة في يد النظام وميليشياته، وقد تبلور هذا التوجه الإستراتيجي بصورة واضحة في اتفاق سوتشي الذي عُقد بين بوتين وأردوغان في أيلول 2018، وعلى إثره جرى الإعلان عن منطقة منزوعة السلاح تمتد بطول خطوط التماس بين القوى الثورية وقوات الاحتلال الأسدية الروسية الإيرانية في إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، ولتكريس هذا الاتفاق وحمايته أنشأت تركيا بضع عشرة نقطة مراقبة في تلك المناطق ثم بدأت بتسيير دوريات عسكرية فيها في أوائل آذار الماضي.
وقد وضع المبدأ الإستراتيجي الثاني تركيا في مواجهة مباشرة مع أمريكا ووضعها الثالث في مواجهة مباشرة مع روسيا، ومنذ خمس سنوات لا تزال تركيا ترقص على الحبال في توازن صعب استخدمت فيه كل الأدوات المتاحة، وما صفقة الصواريخ الروسية إلا مثال في هذا السياق.
التدخل التركي الأخير الذي بدأ فجر اليوم يُقرأ في هذا السياق العام، والباقي تفاصيل.
الرسالة المهمّة حتى الآن: تركيا مُصرّةٌ على تنفيذ اتفاقها مع روسيا على ظاهره واعتباره اتفاقاً نهائياً ومنع روسيا من اعتباره إنجازاً مرحلياً للقفز منه إلى سيناريو أفضل لها وللنظام، ومصرّةٌ على تثبيت الجبهات وخرائط النفوذ ومنع انتقال مزيد من الأراضي من سيطرة الثورة إلى سيطرة النظام.
إنها رسالةٌ مُطَمْئنة وتدعو أهلنا في الشمال إلى التفاؤل والصمود، ولكنها أيضاً تعيد التذكير بحقيقة طالما أكدتها الأحداث في سوريا وطالما وثّقتها صحائف التاريخ: إن أحداً لا يستطيع أن يساعد مَن لا يساعد نفسه، وإن صمود أهل الأرض هو المفتاح الأول والأخير في تحديد مصائر الشعوب.
النتيجة التي تهمنا بعيداً عن كل أنواع التحليلات التي ازدحمت بها المواقع والصفحات: لولا صمودُ الثورة الأسطوري، شعباً وفصائل، ولولا ثباتها في معارك ملحمية ذكّرتنا بمعارك الحربين العالميتين، لولا ذلك لما تحرك لنجدتنا أحدٌ ولما اهتم بمصيرنا أحد، فليس لنا خيار في هذا اليوم سوى الخيار الذي كان في يوم الثورة الأول: الصبر والصمود والاعتماد على الذات بعد الاعتماد على الله، ولسوف يكون لهذه الأيام ما بعدها، وسوف تُضاف هذه الجولة إلى أيام عظيمة سبقتها في هذه الثورة لتأخذ مكانها الذي تستحقه في ألبوم المجد والفخار.
على أرض إدلب الخضراء ستنكسر موجة العدوان الآثم الجديد بإذن الله، وبإذنه تعالى ستنطلق منها موجة جديدة من معارك العز والشرف والتحرير.