الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تصارع الفرقاء في إدلب

تصارع الفرقاء في إدلب

21.05.2019
بسام الرحال


حرية برس
الاثنين 20/5/2019
المتابع للوضع في الشمال السوري المحرر ولطبيعة الحوارات والنقاشات والتحليلات التي سيطرت على الوضع هناك طيلة أشهر خلت، يرتبك للكشف عن النتيجة النهائيَّة المتوقعة لحال ومآل الأرض والسكان في تلك البقعة العصية والصعبة على الجميع لعوامل مختلفة، ليس أولها تعدد مصالح الدول المؤثرة، ولا آخرها محاولة جميع القوى الداخليَّة على اختلاف مسميَّاتها وتبعيَّاتها المحافظة على هذه المنطقة ببراغماتية وواقعيَّة باعتبار أنَّها القلعة الأخيرة والنهائية للتيَّار المعارض، الذي تمترس خلفها من واقع محاولة المحافظة على وجوده وديمومة بقائه والفرصة الأخيرة لبناء ما يُؤسس لانطلاقة جديدة وأفق جديد، وإن بدا ذلك صعباً، بل مستحيلاً في ظلّ التوازنات والتفاهمات الدوليَّة بشأن المنطقة.
فالنظام يُريد من الآخرين ممن هم في خانة حلفائه خوض معاركه الخاصة والانتصار فيها، ثم إهدائه مفاتيح المناطق التي سحقت بعدّة وعتاد غريبين، من منطلق أنَّه الوحيد القادر على تحقيق مصالح هؤلاء الحلفاء على مختلف توجهاتهم وإجراء موازنة مقبولة بين مختلف تلك المصالح، وإقناعهم بها وإثبات أنَّه يملك الكثير، ما يُمكن منحه لهذا الطرف أو ذاك، وإن كانت تلك المنح والعطايا من الممتلكات السياديَّة التي لا يُمكن لأحد مهما كان أن يُقرر سفكها على مذبح بقائه وديمومته من دون الحصول على موافقة كاملة لا لبس فيها من شعب الأمة وهيئاته التشريعيَّة والسياسيَّة.
إلا أنَّ مواقف الحلفاء هذه المرَّة وفي تلك المنطقة لها حسابات تبدو مختلفة عن تصوُّرات النظام ورغباته، وتبدو مصالحهم غير منسجمة تبعاً للوضع الدولي والتفاهمات الإقليميَّة والدوليَّة مع توجهاته في إتمام سيطرته، وتوسيع نفوذه في البقية المتبقية من الوطن الجريح، والذي لا يكاد يخلو أيّ جزء صغير منه من ضربة بسيف أو طعنة برمح أو غدر ائتلافي بين الأعداء والأصدقاء.
فروسيا المنهكة بعد صراعٍ طويلٍ ودامٍ مع مختلف الأطراف للحصول على ما يُمكن من الكعكة المستديرة تبدو أكثر ميلاً إلى خيار سياسي يضمن لها مصالحها الاستراتيجيَّة بحكم المواقف الدوليَّة المعارضة للهجوم العسكري على الشمال السوري، وبحكم تداخل المصالح الدوليَّة والإقليميَّة المتحكمة فيه، وبحكم وعد قدمته تركيا للروس مفاده أنَّه من الممكن الحفاظ على مصالحكم في المنطقة الساحليَّة وعلى ديمومة قواعدكم العسكريَّة الجوِّيَّة والبحريَّ،ة وحماية الخاصرة الشرقيَّة لمنطقة نفوذكم ومنع أيّ اعتداء مهما كان نوعه يُهدد أمن قواعدكم أو يُؤثر في النفوذ الروسي في المنطقة، ويضمن دفئاً دائماً لأقدام روسيا التي ملَّت البرد والجليد.
كما تشعر إيران أنَّ هذه المعركة ليست معركتها، وأن لا ناقة لها فيها ولا جمل، فهي بعيدة عن مناطق نفوذها والمناطق التي يُمكن أن تُمثل حُلماً استراتيجياً لها بحكم إيمانها العميق والراسخ أنَّ منطقة الشمال السوري تدخل ضمن مصالح وتأثيرات استراتيجيَّة متبادلة بين روسيا وتركيا، وأنَّه غير مسموح لإيران بلعب أيّ دور أو تأثير في هذه المنطقة، وبالتالي فهي تشعر أنَّ أيّ ثمن تدفعه في معركة إدلب سيكون مجانياً ومن دون فائدة تذكر.
أما دفاع تركيا عن إدلب واستماتتها لمنع أيّ معركة تُغير موازين القوى والنفوذ بها، فهو بدافع المحافظة على مناطق اجتزأتها غرب الفرات وبمحاذاة حدودها الجنوبيَّة بتفاهمات مع الأطراف الفاعلة في المنطقة أحياناً، وبشكل منفرد أحياناً أخرى، ما يؤمن لها حماية أمنها القومي ونفوذاً مستديماً في معاصي ومحميّات لطالما استخدمت للضغط عليها، وعلى قرارها السياسي، وتهديداً لأمنها ووحدة أراضيها، كما لا يُستبعد أن يكون لتركيا أحلام توسعيَّة بحجة الحقّ التاريخي ناسبتها الظروف الحاليَّة، ومن واقع أنَّكم اذا أردتم تحويل سوريا إلى كعكة فلا يُمكنكم تجاهل طرف قوِّي ومُؤثر وحالم عند الطرف الشمالي.
والحقيقة أنَّ الجميع يعلم عدم قدرة تجاهل المصالح التركيَّة في الشمال، سواء روسيا أو أمريكا، نظراً لما تراه أنقرة تهديداً مباشراً لأمنها، ومن واقع أنَّه لا يُمكن لأيّ كان تنفيذ أيّ أجندة خاصة في هذه البقعة من دون التفاهم وتبادل المصالح معها، وما يُساعد تركيا على بناء موقف قوي في الشمال هو كون المنطقة تُمثل عُمقاً أمنياً واستراتيجياً لها، وحالة النفوذ العميق والتاريخي في أرض وسكان المناطق المتاخمة لحدودها، وحالة التناغم الفكري والثقافي والاقتصادي والاجتماعي على جانبي الحدود.
في حين يبدو الموقف الأمريكي غامضاً و ملتبساً، وإن كان من الممكن توقع حيثياته ومدلولاته، فأمريكا تُريد من الجميع أن يتصارعوا ويتعاركوا بعيداً عن المناطق التي تعدها مناطق نفوذ لها شرق نهر الفرات وشماله من مدخله عند حدود تركيا إلى مخرجه عند حدود العراق، كما يبدو الموقف الأمريكي ميَّالاً إلى منع أيّ حسم عسكري في إدلب من منطلق أنَّ هذه آخر منطقة معارضة تُتيح لها ممارسة دور ما، وتُريد تركها إلى حين نضوج أفكار استراتيجيَّة في المستقبل تُمكنها من تحقيق مصالح خاصة بها، أو تمكنها من مفاوضة الأطراف صاحبة الشأن لتحقيق أهداف أخرى في غير مكان.