الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العرب وإيران في (عقيدة) أوباما (2)

العرب وإيران في (عقيدة) أوباما (2)

27.04.2015
د. وائل مرزا



الشرق القطرية
الاحد 26-4-2015
ذكَرنا في مقالٍ سبق مقابلة الرئيس الأمريكي مع توماس فريدمان، المخصص لإيصال رسائل خاصة للعرب والإيرانيين، إن واقعية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومعها صراحتهُ، قد تكونان خيراً على حاضر العرب ومستقبلهم، إذا عرف هؤلاء كيف يتعاملون مع تلك الحقيقة. وأكدنا أننا اليوم بإزاء رئيسٍ أمريكي يواجهنا كعرب، ربما لأول مرة، بحقيقة أفكاره تجاه المنطقة وأهلها.
والواضح أن كلام أوباما في المقابلة يؤكد هذا التوصيف إلى درجةٍ كبيرة. فحين يتحدث الرجل عن العرب، نَجدهُ يوجه حديثه لدول الخليج في لفتةٍ ذات دلالة.. وبعيداً عن منطق الحديث والذم، يبدو أن جزءاً من واقعية الرئيس الأمريكي في رؤيته للمنطقة تتمثل في أن هذه الدول هي التي بقيت، بشكلٍ أو بآخر، أبعد الدول العربية عن الفوضى التي عمَّت وتَعُمﱡ المنطقة. فالدول العربية الكبرى الأخرى، من العراق إلى مصر، مروراً بسوريا، غارقةٌ، كلٌ بطريقتها في مشاكل قزمت دورها الإقليمي. أما دول المغرب العربي الأكبر فتبدو في حالة ترقبٍ وانتظار، وهي أقرب لدور المُتابِع والمُشاهد، إرادياً، منها لدور الفاعل المؤثر.
من هنا، تُفهم الرمزية في أن يخص أوباما دول الخليج تحديداً في كلامه عن العرب. ونجدهُ يقولُ مايلي:
"الحوار الذي أريد القيام به مع الدول الخليجية يتضمن، أولاً وقبل كل شيء، [الإجابة على سؤال] كيف يمكن لهم بناء قدراتٍ دفاعية أفضل؟ أعتقد، عندما تنظر إلى مايجري في سوريا، على سبيل المثال، كانت هناك دائماً رغبةٌ قوية في أن تقوم الولايات المتحدة بالدخول إلى هناك والقيام بشىءٍ ما. لكن السؤال هنا: ماذا يعني ألا نستطيع رؤية العرب يقاتلون [ضد] انتهاكات حقوق الإنسان الفظيعة التي تم ارتكابها؟ أو يقاتلون ضد مافعله الأسد؟ يمكنني أيضاً أن أرسل لهم رسالةً تتعلق بالتزام الولايات المتحدة بالعمل معهم والوصول إلى درجة اليقين بعدم إمكانية غزوهم من الخارج. وربما سيخفف هذا شيئاً من قلقهم ويسمح لهم بحوارٍ أكثر فاعليةً مع الإيرانيين. مالاأستطيع أن أفعله، رغم هذا، هو الالتزام بالتعامل مع بعض القضايا الداخلية الموجودة لديهم، بدون أن يقوموا هم ببعض التغييرات التي تكون أكثر انسجاماً مع طلبات ورغبات شعوبهم. إحدى الطرق للتفكير في هذا تتمثل في أنه عندما يتعلق الأمر بالعدوان الخارجي، أعتقد أننا سنكون متواجدين لمساعدة أصدقائنا العرب، وأنا أرغب في رؤية كيفية الوصول لهذا التعاون بشكل رسميٍ أكثر مما هو الوضع عليه الآن. ويمكن أيضاً المساعدة في بناء إمكاناتهم بحيث يكونون أكثر ثقة بقدرتهم على حماية أنفسهم من العدوان الخارجي. لكن أكبر التهديدات التي يواجهونها قد لاتكون تلك الناتجة عن غزوٍ إيراني. وإنما سيكون [ذلك التهديد] ناتجاً عن الاستياء وعدم الرضا داخل بلادهم. ولكن، كيف يمكن فك الاشتباك بين هذا الأمر وبين تهديد النشاطات الإرهابية داخل بلدانهم؟ وكيف يكون لنا دورٌ في التعاون على مواجهة الإرهاب، وهو أمرٌ هام لأمننا، دون أن نُعطي المشروعية الأوتوماتيكية لأي ممارسات تعسفية قد يقومون بها؟ أعتقد أن هذا الحوارَ صعب، لكنه حوارٌ يجب أن يحصل".
نلحظ بوضوح في الكلام المترجم بدقة انتقال أوباما في الحديث عن (العرب) وعن (دول الخليج) بطريقة توحي بأنه يعتبر هذه الدول ممثلةً، في الواقع الحالي، للعرب بأسرهم بدرجةٍ معينة. وهو من البداية إلى النهاية يؤكد، بأكثر من طريقة، أن أي (غزوٍ خارجي) لتلك الدول هو خطٌ أحمر. وإذ يعرفُ الجميع أن هذا لايأتي كما يقول المثل لـ (سواد عيون أهلها)، وإنما انطلاقاً من المصالح المشتركة، فإن مدخل المصالح ذاته يجب أن يكون بوابة الخليجيين، ومعهم العرب، للتأكيد والتذكير، بأن مصالحهم لاتتحقق بمجرد حفظ حدودهم من العدوان الخارجي، وأن من السذاجة أو الاستغباء الإيحاء بأن هذا الأمر وحده يحمي بلادهم في غياب توازنٍ إقليمي حقيقي مع إيران.
لكن المفارقة أن جزءاً من مُقتضيات هذا الأمر مُتضمنٌ في كلام أوباما نفسه بوضوح، وذلك في معرض حديثه عن سوريا وعما يجري فيها على يد الأسد. فالرجل يقول بكل صراحة: إذا كان العرب يعتقدون أن التوسع الإيراني يُهدد أمنهم القومي، وإذا كانوا يعرفون أن الوضع السوري الراهن، بممارسات الأسد الذي يعرف الجميع سيطرة إيران الكاملة عليه، يمثل جزءاً رئيساً من هذا التهديد، فماذا ينتظرون؟
قد يحسب البعض أن هذا يمثل نوعاً من (التوريط) للعرب. لكن هذا لايكون صحيحاً إلا إذا جاء التدخل العربي في سوريا فجاً وفوضوياً وغير مدروس من لحظة الدخول إلى سياسة الخروج Exit Strategy. أما إذا جاء التدخل مدروس الجوانب والأبعاد فإنه يدخل في إطار التقرير الذي صدر منذ أسبوعين عن (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) الأمريكي، والذي كتبه الباحث في الشؤون العربية مايكل نايتس في معرض تحليله لعملية (عاصفة الحزم)، حيث يقول أن "التعبئة العسكرية لتسع دول مســلمة، تشـــير إلى الهدف الاستراتيجي الأوسع للحملة، ما ينشئ نقطة حشد للعرب لمواجهة النشاط العسكري الإيراني المتزايد في المنطقة"، ثم يضيف قائلاً، وهنا النقطة الأهم: "تجد واشنطن نفسها الآن في موقفٍ غير معتاد، إذ أنها تدعم من دون ضجة ائتلافاً كبيراً متعدد الجنسيات يتألّف من دول إقليمية، وهذا هو على وجه التحديد نوع تقاسم الأعباء الذي لطالما حلمت الإدارات الأميركية المتعاقبة بتعزيزه"..
(تقاسمُ الأعباء) إذاً بعيداً عن الاعتماد الكامل. تلك هي (كلمة السر) التي لاينتظرها أوباما فقط، بل كانت بعض الإدارات الأمريكية الأخرى تترقبها، لكيلا نُبالغ في الحديث عن كل الإدارات باختلاف رؤيتها السياسية. ولو أتقن العرب فهم توازنات هذا القانون لكان الوضع العربي مختلفاً عما هو عليه الآن.
إضافةً إلى هذا العنصر الواضح في مايتعلق بالعرب من (عقيدة أوباما)، نجد الرجل يتحدث، مرةً أخرى بكل مباشرة ووضوح، عن مسؤولية العرب، والمقصود هنا الحكومات بطبيعة الحال، في رفع درجة الجاهزية والقوة والاستقرار لبلادهم. ولكن هذه المرة من مدخل الانسجام مع مطالب الشعوب العربية، من المشاركة إلى الشفافية، مروراً بالعدل في توزيع الثروة وترسيخ عمليات التنمية. هذه ليست معادلةً سحريةً نحتاج إلى سماعها من أحد، إلا أن اضطرار رئيس الولايات المتحدة بنفسه إلى لَفظها والحديث عنها يدل من ناحيةٍ على دورها الأساسي، ومن ناحيةٍ أخرى على حجم التقصير في القيام بها.
لابديل عن فهم (عقيدة أوباما) والتعامل معها بعقلانية وفاعلية. هذا إذا كان ثمة نيةٌ حقيقية لتوظيف (نافذة الفرصة) التي فتحتها المتغيرات الراهنة في المنطقة بما فيه مصلحة العرب شعوباً وحكومات.