الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران وتفكيك المجتمعات العربية

إيران وتفكيك المجتمعات العربية

30.06.2015
صبري رسول



العربي الجديد
الاثنين 29/6/2015
نجحت الأنظمة الاستبدادية التي حكمت البلاد ورقاب العباد، منذ عقودٍ طويلة، في ترسيخ الطّائفية والفئوية في بنية المجتمع، وتحت شعاراتٍ سياسية برّاقة، وجعلها سلوكاً في نظام الحكم، على حساب قِيم الوطنية، وإن كان تحت شعاراتها، فاستغلّ النّظام الإيراني خلخلة المجتمع العربي، فتغلغل فيه بقوة.
كان همُّ الأنظمة الشّمولية الاستحواذ على اقتصاد البلاد، وتطويع رقاب أفراد المجتمع، والحكم على النّاس بقبضةٍ من حديدٍ، فسخّر كلّ ما لديها من قوة ونفوذ لترسيخ الطائفية، وجعلها سلوكاً وثقافة يومية، بالاعتماد على أجهزة أمنية، تغوَّلت بشكلٍ مُرعِب، تحميها حصانةٌ مطلقة لا تطالُها المحاكمات، مهما ارتكبت أفعالاً شائنة، حتى أصبح النّسيج الاجتماعي منشطراً وقابلاً للتّشظّي والانفجار في أي لحظة. ولم يتوان نظام ولاية الفقيه في إيران في التّغلغل عميقاً في بنية المجتمعات العربية، ونشر أفكاره ودعم مؤيديه، منذ بداية التّسعينات، مستغلاً فئة الشباب وعزلتها الاجتماعية والبطالة المتفشية بينها، كحصان طروادة، لتسهيل التّحكم بها مستقبلاً، وبات يُراقب الوضع عن كثب، للدّخول إلى السّاحة عند حدوث أي قلاقل أو مشكلات داخلية، من اجتماعية وسياسية.
وضعَت إيران مشروعها السّياسي الدّيني هذا على نارٍ هادئة، لتستوي بعد عقدين، مع التوسّع الشّيعي القوي والسّريع والعابر للقوميات والخرائط الجغرافية والسياسية، والخارق لأسوار الحكومات، ولحصون استخباراتها. تسعى إيران إلى تقوية نفوذها نتيجة طموحاتها في التوسّع. والسّيطرة على قراراتٍ سياسية تشكّلُ هدفاً لملالي طهران، في سعيٍّ إلى امتلاك قوى وأوراق قد تحرّكها عند الحاجة، وشكّل هاجساً للعرب. حيثُ تعتمد إيران على وجود هذه الطّائفة لدى مختلف القوميات في الشّرق الأوسط، العرب، والترك، والكرد، فيسعى إلى جعلها نقاطَ ارتكازٍ لتغلغلها في النّسيج الاجتماعي لتلك القوميات، وطلائع متقدمة لضرب الاستقرار السياسي عند الحاجة.
المفاهيم المذهبية المشتركة، والمتقاربة أو المتقاطعة مع ولاية الفقيه، يستغلّها النّظام الطّائفي في إيران، للاستفادة من الطّاقات البشرية في العالم العربي، والاعتماد عليها لتحقيق أهدافها. ومن أبرز الطوائف التي اعتمدت عليها إيران في العالم العربي، تلك المتقاربة معها عقائدياً، كالشّيعة في العراق ولبنان، والعلويين في سورية، والحوثيين في اليمن، اتّخذتها أدواتٍ تستعملها للدخول إلى المجتمعات العربية، وبدأتْ تتجذّر في نسيجها الاجتماعي، لخلقِ أرضيةٍ ملائمة لنشر ثقافتها الطائفية.
خلال أمَدِ الأزمات التي عصفت بالمجتمعات العربية تحت تأثير الربيع العربي، لم تختلف إيران مع روسيا لتشابك مواقفهما وحرصهما على بقاء تلك الأنظمة، حفاظاً على مصالحهما، لكن التطورات الميدانية الأخيرة الناتجة عن عاصفة الحزم 26/3/2015 ضدّ الانقلاب الحوثي، وبقايا نظام علي عبدالله صالح، غيّرت منهج التعامل مع النظام الإيراني وتابعيها في المنطقة العربية، وكذلك الاتفاقيات الأخيرة بين السعودية وروسيا (في مجالات الطاقة والإسكان والفضاء، إضافة إلى اتفاقات عسكرية) قد تفتح آفاقاً جديدة في العلاقات بين دول الخليج وروسيا، تُدخل الطمأنينة والدفء إلى الثورات العربية، وتوقف نزيفها الأليم، وتدفع الدّب الأبيض الرّوسي إلى إعادة قراءتها علاقاتها مع أنظمة الحكم.
وقد تضع هذه التطورات حدّاً للنفوذ الإيراني وتخلقُ توازناتٍ جديدة سياسية وعسكرية، تُصيغ المشهد السياسي الجديد في الأشهر المقبلة.