الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تذبذب مستوى العملات

تذبذب مستوى العملات

16.04.2014
علي بن طلال الجهني


الحياة
الثلاثاء 15/4/2014
بدأت كتابة المواضيع التحليلية الاقتصادية منذ خريف 1978، أي منذ ما يزيد على ثلث قرن. والهدف من كتابة بعضها لم يتغير. وهو تثقيفي بحت لمن يهمه معرفة شيء عن تفسير ما يتردد ذكره في وسائل الإعلام عن الشؤون المالية والاقتصادية.
وسأبدأ اليوم بالرجوع إلى بعض ما سبق أن كتبته (وأحياناً أضيف عبارات للتوضيح). وللأسف لم أحتفظ بتاريخ النشر إذا كان قد تم نشره. من الأرجح أنني كتبته في أواخر 1978 أو مطلع 1979.
ومما جاء فيه:
إن قيمة الريال تكمن في قدرته على الشراء وترتفع وتنخفض بقدر ارتفاع وانخفاض قوته الشرائية.
كذلك الحال بالنسبة إلى قيمة العملات الدولية المختلفة، فهي أيضاً ترتفع بالنسبة إلى بعضها بقدر القوة الشرائية لكل منها في داخل بلدها.
فالقوة الشرائية للعملات تقاس بقدر نسبة التضخم التي يعاني منها اقتصاد البلدان التي أصدرتها، فكلما ارتفعت نسبة التضخم كلما قلّت القوة الشرائية للعملة في داخل البلد، ويتبع ذلك انخفاض قيمتها خارجه.
ولكننا أحياناً نجد أن قيمة عملة ما قد تنخفض أو ترتفع بالنسبة إلى عملة أو عملات أخرى من دون أي تغيير في نسبة التضخم، فما هي أسباب ذلك؟
أسباب ذلك تعود إلى التكهنات عن المستقبل الاقتصادي التي يتوقعها المتاجرون بالعملات. وعلى سبيل المثال فحينما فاز حزب المحافظين في الانتخابات البريطانية (في عام 1978 حينما فازت مارغريت ثاتشر برئاسة الحكومة البريطانية)، ارتفعت قيمة الجنيه الإسترليني من دون أن يطرأ أي تغيير على نسبة التضخم في بريطانيا، لأن تجار العملة توقعوا أن يكون تأثير حكومة المحافظين في نسبة التضخم ببريطانيا حسناً. وبالتالي في قيمة الجنيه. أي أنهم توقعوا أن يكون من نتائج السياسة الاقتصادية لحكومة المحافظين انخفاض نسبة التضخم في بريطانيا، ومن ثم توقعوا ارتفاع قيمة الجنيه الشرائية...
ولذلك نجد في كثير من الأحيان أن قيمة العملات تتغير لأسباب سياسية محضة، لأن هذه الأمور السياسية قد تؤثر في الحاضر، وأهم من ذلك أنها تؤثر في المستقبل، إما في الاقتصاد بصورة عامة أو في نسبة التضخم بصفة خاصة، أو في مستويات الفوائد التي بدورها تتأثر بنسبة التضخم.
وكثيراً ما نسمع أن عملة دولة ما انخفضت لأن عجزاً طرأ على ميزان مدفوعاتها، فما هي علاقة ميزان المدفوعات بالقوة الشرائية للعملة وبالتالي بقيمتها نسبةً إلى بقية العملات؟ إن ميزان المدفوعات يعبّر عن الفارق بين مجموع ما تستحقه دولة من بقية دول العالم وبين مجموع ما هو عليها لبقية دول العالم... أي الفارق بين ما لها من حقوق وما عليها من ديون، فإن كان لها أكثر مما عليها قيل إن ميزان مدفوعاتها يعبّر عن فائض، وإن كان عليها أكثر مما لها قيل إنها تواجه عجزاً في ميزان مدفوعاتها.
إذاً فالعجز يعني أن هذه الدولة مدينة لبقية دول العالم، ولا بد لها من الوفاء بهذا الدين.
ولكن كيف يتم لها ذلك؟
تفي الدولة بما عليها من ديون ببيع عملتها وشراء عملات الدول الدائنة لها، وذلك يعني زيادة في عرض عملتها وزيادة الطلب على عملات الدول الدائنة، وينتج من ذلك انخفاض قيمة عملة الدولة المدينة (لأنه زاد المعروض منها) بالنسبة إلى عملات الدول الدائنة في الخارج (التي زاد المطلوب منها).
أما الفائض في ميزان المدفوعات فيعني أن الدولة المدينة بحاجة إلى سداد ما عليها لهذه الدولة الدائنة من ديون، ولذلك لا بد لهذه الدول من الحصول على عملة الدولة الدائنة، وهذا من شأنه زيادة الطلب على عملة تلك الدولة فتنخفض كمية المعروض منها في الداخل، ما يقلل نسبة التضخم، ويزيد من الطلب في الخارج عليها، وهو ما يرفع من قيمتها وقوتها الشرائية.
لا غرو إذا وجدنا أن قيمة عملات الدول التي لديها فائض في ميزان مدفوعاتها في ارتفاع مستمر، ولكن يجب ألا يفهم من هذا أن ارتفاع عملة بلد ما هو في مصلحته دائماً، لأن ذلك لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. وأخيراً في 6-9-2011 عانت سويسرا من ارتفاع قيمة عملتها، ما اضطرها لتثبيت قيمة الفرنك السويسري نسبة إلى اليورو.
وأخيراً، نستطيع أن نوجز ما تقدم في القول أن قيمة العملات الشرائية هي التي تحدد علاقة بعضها بالبعض الآخر، وهذا معناه أن الدول التي تعاني من نسب تضخم عالية أو من المتوقع أن ترتفع نسب التضخم فيها تهبط قيمة عملاتها، أما إذا كان من المتوقع انخفاضها في المستقبل فإن قيمة تلك العملات تتجه إلى الارتفاع. وكذلك ما هو المتوقع عن نسب مستويات الفوائد، مع الأخذ في الاعتبار بالطبع نسب التضخم التي بدورها من أهم المؤثرات في مستوى الفوائد.