الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خريطة "سوتشي" السورية

خريطة "سوتشي" السورية

04.08.2018
فيصل عابدون


الخليج
الخميس 2/8/2018
النتائج التي خرج بها مؤتمر "سوتشي" الأخير تقدم مؤشراً واضحاً على مرحلة جديدة للأوضاع في سوريا من أبرز عناوينها تنشيط المفاوضات وتهدئة الجبهات. لقد أوضح البيان الختامي للمؤتمر حقائق ميدانية وسياسية لم تكن خافية تماماً، ووضع لها المسار والخريطة التي ينبغي أن تسلكها في مرحلتها الراهنة والمقبلة وهي باختصار مسار التسوية وليس شيئاً آخر.
المؤتمر شاركت فيه الدول الضامنة الثلاث تركيا وروسيا وإيران، مع ممثلين عن النظام والمعارضة بالإضافة إلى الأمم المتحدة والأردن كأطراف مراقبة. ودعا المشاركون في بيانهم الختامي إلى تعزيز المفاوضات السورية- السورية واستكمال بناء الثقة بين الأطراف بالتركيز على تبادل الأسرى بمساعدة الصليب الأحمر والأمم المتحدة، وصولاً إلى تسوية سياسية شاملة. كما اتفقت الأطراف على مفهوم مكافحة الإرهاب والقضاء على تهديدات "داعش" وجبهة النصرة. وتحدث البيان الختامي أيضاً عن تطبيع حياة السوريين وعن الدعم الدولي لعمليات إعادة الإعمار وعودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية.
الخريطة تتحدث إذن عن مرحلة جديدة تتقدم فيها القوة الناعمة على العضلات العسكرية، وهي تستند إلى تغييرات في مشهد الصراع الدامي، فقبل وصولهم إلى طاولة المفاوضات في المنتجع الروسي قررت قيادة المعارضة السورية القبول بالمسار السياسي كخيار استراتيجي للمرحلة، وهي تقول إنها لم تخسر الحرب رغم معاناتها من غياب الدعم العسكري والسياسي في الآونة الأخيرة، وعبرت عن موافقتها على الوساطة الروسية في المفاوضات. أما الأكراد فقد توصلوا في مفاوضات منفصلة مع النظام إلى اتفاق يقضي ب"سوريا لا مركزية"، وهو البند الذي سيدور حوله نقاش كبير في لجنة صياغة الدستور المقرر أن تبدأ اجتماعاتها في سبتمبر المقبل في جنيف. والأكراد يعتبرون أنهم قد حددوا أجندة اللجنة وحققوا هدفهم من حيث المبدأ، لذلك فقد أبدوا زهداً في المشاركة بمحادثات سوتشي بانتظار الخطوة التالية.
وبطبيعة الحال فإن أي مقترح لحل سياسي للأزمة لا بد أن يبدأ بمرحلة انتقالية تطول أو تقصر وسيدور النقاش أيضاً حول هذه النقطة ذات الحساسية العالية كونها تتضمن السؤال حول ما إذا رئيس النظام بشار الأسد سيكون جزءاً منها أو أنه سيتنحى، وإلى أي مدى يمكن أن يساهم الوسطاء في الوصول إلى حلول وسط لتفادي انهيار المفاوضات والدفع بها إلى الأمام.
وعلى الرغم من أن محاولة إنهاء الحرب بالطرق السياسية وعبر عمليات التفاوض الشاقة سيكون أمراً شديد التعقيد ومرهقاً إلا أن المشهد خلاله يظل أقل مأساوية بكثير من مشاهد الحرب الوحشية الدامية التي عاشها هذا البلد طوال السنوات السابقة. وما لم تحدث مفاجآت تعيد الأمور إلى نقطة الصفر فإنه بالإمكان القول إن مرحلة القوة الناعمة قد بدأت بالفعل في سوريا.