الرئيسة \  مشاركات  \  بطانة الأمس وبطانة اليوم

بطانة الأمس وبطانة اليوم

23.04.2014
د. أحمد محمد كنعان


البطانة هي حاشية الحاكم التي يرجع إليها في القضايا العامة ، فيستشيرها في أمر البلاد والعباد ، وهذه البطانة قد تكون صالحة فتأخذ بيد الحاكم وشعبه إلى ما فيه الخير والصلاح ، وقد تكون بطانة فاسدة فتأخذ بالحاكم وشعبه إلى الخراب والدمار ، وقد سجل التاريخ مواقف مشرفة لبعض البطانات التي وقفت في وجه الحكام الطغاة أملاً في إنقاذ البلاد من هلاك محقق ، وتلك هي قصة رجل من بطانة فرعون ..
وفرعون الذي نعنيه هو زعيم مصر في زمن نبي الله "موسى" عليه السلام ، ويضرب بفرعون المثل في الاستبداد الذي جعله يتأله على قومه ويقول : ( أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلى ) وكان يُسكت كل صوت حر فيقول : ( مَا أُريكُمْ إلا مَا أرَى ) ، وهي صورة نموذجية لكل دكتاتور مستبد ، في كل عصر ، ولذلك لا غرابة أن يعرض القرآن الكريم شخصية فرعون بالتفصيل في مواضع عدة ، وفي مواقف مختلفة ، للتحذير من مثل هؤلاء الحكام الظلمة الذين يقودون بلادهم إلى الكوارث والدمار !
إلا أن هذا "الفرعون" بالرغم من جبروته الذي بلغ حد ادعاء الألوهية لم يمنع وجود بعض العقلاء المخلصين بين بطانته ، الذين أحس بعضهم بالخطر الداهم إن لم يستجيبوا لدعوة "موسى" عليه السلام ، فقام واحد منهم في مجلس فرعون يتكلم بنبرة الناصح الأمين فيدعو فرعون ويدعو قومه إلى الإيمان بما جاء به موسى ، ويخوفهم من بأس الله عز وجل ، ويذكرهم بحال الأمم الغابرة التي خالفت عن أمر الله فأذاقها الله العذاب ثم أبادها ، كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم (الآيات 28 ــ 44 سورة غافر) .
وفي مقابل هذه الصورة الوضيئة للبطانة العاقلة التي تدرك أن وظيفتها الأولى هي النصيحة المخلصة لولي الأمر ، شاهدنا هذه الأيام صوراً عجيبة فاقعة الغرابة لبعض البطانات التي بلغ بها النفاق حداً لم نتصور أن تبلغه بطانة في التاريخ بما فيها بطانة فرعون الذي نصَّب نفسه إلهاً من دون الله ، وقد شهد العالم قبل فترة في مجلس الشعب السوري واحدة من هذه الصور الفاقعة حين وقف نائب ( مفرد نوائب ! ) في "مجلس الشعب" يمتدح زعيمه قائلاً له بكل وقاحة وفجور : والله يا سيدي ، أنت لا يكفي أن تحكم هذا البلد ، أنت يجب أن تحكم العالم ! وقد تبع هذا النفاق الفاجر تصفيق أفجر منه من بقية النوائب !!!
إن هذه الصورة الكاركاتورية الفاجرة ما هي في الحقيقة سوى صورة مقلوبة تماماً عن صورة مجلس الشعب الفرعوني ، فهناك كان فرعون هو الذي يدعي الألوهية ، أما هنا فإن الذي يؤله الزعيم هم بطانته الذين اختاروا لأنفسهم دور العبيد ، وجعلوا من ذلك الصبي المراهق إلهاً يعبدونه من دون الله ، وكأن لسان حال هذه البطانة الفاسدة يردد تلك الطقطوقة البديعة التي صوَّر فيها مطرب الشعب "سيد درويش" حال هؤلاء المنافقين إذ يقولون : ( عشان ما نعلى ونعلى ونعلى ، لازم نطاطي نطاطي نطاطي ) !
ولهذه البطانة البائسة التي اختارت أن تطأطئ رأسها ومؤخرتها للطغاة المراهقين من حكام هذه الأيام ، وباعت ضمائرها ودينها بعرض من الدنيا قليل ، نقول : تذكروا أنكم يوماً ما سوف تقفون بين يدي حَكَم عَدْل ، فما أنتم قائلون ؟!