الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا: الوطن ليس ابتلاعا بل احتواء

سوريا: الوطن ليس ابتلاعا بل احتواء

22.05.2019
علاء محمد زريفة


القدس العربي
الثلاثاء 21/5/2019
أليكسي إيفانوفيتش، بطل رواية "المقامر" للروائي الروسي ديستوفسكي يمرر روليت النرد من أعلى إلى أسفل، وشمال إلى يمين، كانت تحركه نفسية "المقامر" فهو كلما كسب جره الطمع إلى أمل في مكسب جديد حتى وإن خسر كل ما يملك، أو جرته الخسارة إلى محاولة جديد للتعويض وإن كسب قليلاً ثم عاود رحلة الصعود والهـبوط.
وبعض القادة السياسيين والحكام تحركهم سيكولوجية "المقامر" تشبثاً بالكراسي، وما إن يخرجوا من مأزق حتى يورطوا أنفسهم في مأزقٍ جديد.
وحكومة الأزمة الحالية لا يهـمها سـوى الحفاظ على الكراسي ولو فوق أشلاء الوطن الجـريح.
الأمن والحماية
هذه المقامرة تكرس ظاهرة ابتلاع المجموع الشعبي، وتقوض الانتماء فالوطن ليس ترابا وراية وعلما يرفرف، الوطن هو أناس يشعرون بالحماية والأمن والمساواة والحرية والكرامة، وإذا انتفى وجود هؤلاء الناس، فلا معنى للوطن ولا قيمة له !
هنا التاريخ يعود مكررا نفسه، تعود أزاميله الحادة تنحت جسدنا الاجتماعي والسياسي. وتشكل وطن أقلية تملك وتتملك، تتصارع ضد أكثرية مهمشة على كافة الأصعدة.
"أقلية" بالمعنى المجمع من كامل الطيف السوري ولكنها لا تنتمي إلا لمصالحها الضيقة. وترى الوطن" حفلات كوكتيل وأسنانا بيضاء في بروتوكولات التنمية وإعادة الإعمار.
صفقات مشبوهة، غسيل أموال للريع الرأسمالي المنهوب من تضحيات الفقراء وشهدائهم. وأحياء للنخبة – غير المنتخبة – مع شريط فاصل أو بدون مع عشوائيات العار وحقول القمامة المكدسة بالجريمة والسيان "تخترقها طوابير العاطلين أو المعطلين على بسطات الحاجة تمارس تجارة" أي قطعة بمئة "بعد أن أغرقت طبقة الكاجو برؤوسها وما لفهم من طفيليات زائدة على حياتنا.
أشكال الفساد
نعم.. لقد كان الفساد بأبسط أشكاله إلى أعقدها وأخطرها ينخر عظمنا مخترقا حدودنا الثقافية قبل الجغرافية والطابور الثقافي معقود الوثاق على حمار "طروادة" لمرور العدو.
وعندما تداعى سقف المصلحة هرولوا بأرصدتهم وعفنهم وكان لزاما على كادحي المجدرة "أن يبادروا لاستعادة وطنهم المسلوب منهم مرتين".
هنا يتوافق البؤس مع الخراب، تختلف أرقام وأحجام خسائر الوطن والمواطن، فيما الناس تدفع ثمن ما تجمّع عليها من حرب كونية ارتدت شكلها الأيديولوجي المتمذهب سياسيا يتقاطع حكما مع صراع مستمر تلعب فيها دولنا دورها الملحق كساحة صراع ومكب نفايات دولي، المستفيدين منها ومشغليها ومموليها خطفوا كل شيء، المال والقانون، والرفاهية، والأمل. تجمَّعوا وخرجوا في خطاب كريه، ففي اللحظة التي يخرج فيها العالم كل يوم إلى السعادة والعدالة الاجتماعية والمستقبل… يصر مهندسوها على بناء سواتر تمنع الفرح عن الناس، ويحذروننا بعبارات سقيمة خطت على الحيطان واللوحات المرورية والإعلام الرسمي.
شجاعة النقد
تريدون المزيد "الغناء يورث الفقر" وعشرات من حكم ومواعظ "تقاة" يجدون في السعادة والفرح إثماً، وفي سرقة الناس وقتل الأبرياء واجباً شرعياً. فإذا ما اعترضنا أو تهكمنا خرجنا نصرخ باللاءات الأشهر سوريا على مواقع التواصل الاجتماعي (لا مازوت، لا كهـرباء، لا غـاز) صرنا متهمين بالانبطاحية والمبـالغة وضـحايا لدعاية خارجية، ويصير الأشكال فيسبوكي بحت، وتحدث بحقنا أعنـف المجازر التي يرتكبها ( الطابور الخامس) مـن موظفي الكلمة والمثقفين العضويين الرخويين، مكررين أسطوانة مشروخة حول مؤامرة جديدة ومتجددة يتم وضعها كوجبة منزلية بائتة وتسخـينها في المايكرويف الحكومي عند الطلب، وفي المقلب الآخر نجد نواقد" يتميزون كما يصفهم بعضهم باللحامية، نسبة إلى دريد لحام وهي حسب قوله وهنا أقتـبس: "شخصيـة تُضْحِك الجميع على النكتة الناقدة الواحدة ذاتها: الحرامي والمسروق، الجلاد والضحية، القاتل والقتيل…الخ".
شخصية تبدو، من جهة أولى، ممتلكة لشجاعة النقد والهجاء، لكنها، من جهة ثانية، تتوجّه بانتقادها وبطلب الحلّ إلى من خلقوا المشكلة المنتقَدَة أنفسهم (!!!)، تلك المشكلة التي غالباً ما تكون غير المشكلة الجوهرية وبعيدة عنها، ما يمحو الشجاعة السابقة كلها ويُظهرها على أنّها زائفة، بل وجبانة في الحقيقة.
ولذلك نبقى نراوح مكاننا ونتبادل السباب بين الأنا المتحركة الناجية" التي لم تمت وتهجر وتسحقها تماما آلة الإرهاب التكفيري وأنا كافرة غالبيتها من (أمراء الحرب) منفصلة عن واقعها سمنها التعفيش" واللعب بمفخخات الهوية الوطنية والاتجار بالكيف. في عملية تعريض ثقافي مؤسس على الرقص الدرامي معرفيا والتحكم بالحاجات الأساسية الإنسانية للعيش الكريم يغذيه طموح الوحش- اللص.
تدفع عنه "اللحامية" خطر الخطاب المهدد وتسكنه التربية الأبوية الثيوقراطية القامعة المتمظهرة في شرف الفقر بلا وعي.
تعيد بانوراما سابقة لما قبل الحرب في مشهدية الخراب والبؤس لما دون -خط الجوع- مشكلة صورة لانحطاط ثلاثي الأبعاد تضعنا نحن السوريين جميعا في السواد سواسية.