الرئيسة \  واحة اللقاء  \  علاقة "أبدية" مع سوريا

علاقة "أبدية" مع سوريا

20.05.2015
د. طيب تيزيني



الاتحاد
الثلاثاء 19-5-2015
طالعنا الإعلام التلفزيوني بإعلان إيراني صدر عن أحد المسؤولين الإيرانيين بصيغة خبر أو بقرار، لا أدري بماذا أسميه، يعلن فيه أن إيران لن تتخلى عن سوريا، نعم سوريا وإلى الأبد! وكان ذلك في بداية هذا الشهر، والملفت في هذا الإعلان أنه قد جاء بلهجة حازمة قاطعة!
وهذا ما دعاني، أولاً، إلى التساؤل الجاد عما إذا كان يوجد في المنظومة السياسية السجالية مثل ذلك القطع والحسم، خصوصاً حين يتصل الأمر ببلدين اثنين يملك كل منهما استقلاله الوطني، وثانياً حين يدور الأمر على وضعيات يعبر عنها بلغة هي أقرب إلى الاستخدام الفلسفي أو الديني. فإذا كان التقارب بين إيران وسوريا قد راح في السابق يأخذ صيغاً واضحة وصريحة ومتسارعة، فقد كان ذلك يمثل حالة محتملة، خصوصاً في ظروف مثل عام 2006 حيث كان الموقف الإيراني من إسرائيل موقفاً سلبياً (هكذا ظهر الأمر)، حتى إذا لم يكن قد حدد أهدافه كاملة. وهذا ما لم ننسه. أما ما يحدث الآن، في مرحلة الثورة السورية، من مزيد من التقارب بين البلدين إلى درجة أن جيوشاً وقطعات عسكرية إيرانية تقتحم سوريا للدفاع عن النظام القائم عسكرياً، فإن في ذلك ما يدعو إلى الأسى والاستنكار والشجب.
وستتضح شرعية الاستنكار والشجب للتدخل العسكري الإيراني في سوريا وبقيادة القوات العسكرية لـ"حزب الله" برئاسة حسن نصرالله، نقول ستتضح خصوصاً حين نكون قد سمعناه متحدثاً من قناة "المنار" مُعلناً أن قواته العسكرية لم تدخل إلى سوريا إلا بهدف "حماية المقدسات الشيعية" الموجودة فيها! وبغض النظر عما إذا كان التأكيد على وجود تلك المقدسات في سوريا وارداً، أو لم يكن، فهنالك حتى الآن بعض التساؤلات -بصرف النظر عما إذا كانت تلك المقدسات غير موجودة أو موجودة جزئياً في سوريا- التي يبرز منها التساؤل التالي: إذا كان التاريخ المفترض لذلك الوجود قد شارف على أربعة عشر قرناً هجرياً ونصف القرن، فهل تعتقد يا حسن نصرالله أن المقدسات إياها ظلت دون حماية تليق بأصحابها، بحيث كان من الممكن أن تُنتهك من طرف فئة أو أخرى؟ لا أشك يا حسن نصرالله أن السوريين -أهل الأرض السورية- هم الذين حموا المقدسات وأشرفوا على خدمتها الخدمة اللائقة.
لقد شعرت وشعر الكثيرون من السوريين، ومن أهلنا اللبنانيين، بالكثير من الأسى والألم، ولنقل: وذهب ذلك مع الريح! ولكن أن يقف اليوم في هذه الأيام المأساوية الدامية على السوريين والشعوب العربية، رجل يعتبر شخصية رسمية في إيران، ويصرح بعلاقة جيدة وأبدية مع سوريا الرسمية، فإن هذا ما كان مقبولاً، إذ لماذا يشغل الإيرانيون والآخرون منهم المتعاونون مع قواتكم العسكرية، أنفسهم بمهمات قتال في سوريا وضد شعبها؟ إنه لأمر ما كان له أن يحدث، وإذ هو حدث وترك ويترك دماء سورية زكية تختلط مع الأرض، فإن مثل ذلك القول أصبح سلاحاً تأنف النفس أن توجهه ضد السوريين والعرب جميعاً، بل وكذلك الإنسانية والرأي العام الدولي.
وما أثار العقل وترك أسئلة في القلب والذهن ليس مجرد أمر عارض، ومع ذلك من البداهة أن أدعوك إلى العودة لشعبك اللبناني، ولأخيك السوري، ولدينك القائم على الحرية والعدل. وثمة فكرة أخيرة أستنبطها من الإعلان الذي قدمه المسؤول الإيراني وأعلمنا فيه أنه سيبقى يدعم سوريا فيما هي عليه، وكم شعر كثيرون بخيبة الأمل والمرارة حين سمعوا ذلك المسؤول الإيراني يتحدث بما مؤداه أن ذلك الدعم لسوريا سيبقى "إلى الأبد"! وهذا ما جعلنا نشعر بمرارة وألم منك وعليك، فليس هكذا أيها المتحدث تورد الإبل وتُتخذ المواقف.