الرئيسة \  واحة اللقاء  \  زلزال إدلب

زلزال إدلب

04.02.2020
عائشة كربات



المدن
الاثنين 3/2/2020
   اعتاد المواطنون الأتراك أن يعبروا عن افتخارهم بوحدتهم عندما يواجهون كارثة جماعية أو حدث يدعو للبهجة. وبغض النظر عن العرق أو الطائفة أو الطبقة الاجتماعية، كنا نبتهج معاً عند كل نجاح وطني مثل الفوز في مسابقة الأغنية الأوروبية أو الفوز بكأس العالم. لكن ومنذ فترة طويلة، لم نحظى بأي شيء يجعلنا سعداء على المستوى الوطني، وللأسف، نحن على وشك أن ننسى كيف كنا نظهر الوحدة في السعادة.
كارثة ألازيغ
لا بد لي أن أقول، أننا كنا كمواطنين أتراك قادرين أيضاً على إظهار الوحدة والتضامن في الأوقات الصعبة، من خلال وضع خلافاتنا جانباً. كل هذا اختلف اليوم، وقد أثبت الزلزال الأخير القوي الذي هز شرق تركيا يوم الجمعة الماضي، وأسفر عن مقتل أكثر من 40 مواطناً، أننا فقدنا هذه القدرة على الاتحاد.
تصدّر شاب سوري حديث الشارع التركي بعد أن ساهم في إنقاذ سيدة تركية وزوجها بشجاعة من تحت الأنقاض إثر الزلزال العنيف في ولاية ألازيغ شرقي تركيا، وانتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي للسيدة التركية وهي تروي البطولة التي أظهرها الشاب السوري محمود العثمان من محافظة حماة، لإنقاذها هي وزوجها من تحت أنقاض منزلهما من دون أن يكترث للجروح التي أصابت يديه.   
وتعليقاً على الحادثة قالت السيدة التركية: "الشاب محمود، الذي أنقذ حياتي، هو من السوريين الذين نلومهم في كل شيء، لقد حفر بأصابعه بين الأنقاض إلى أن أخرجني". وقد التقى الرئيس رجب طيب أردوغان أثناء زيارته للمنطقة التي ضربها الزلزال، الشاب السوري، وأعلن أن تركيا ستمنحه الجنسية وعائلته.
انقسام المجتمع
تحول هذا الخبر إلى لحظة لنهاية الوحدة الوطنية والحزن على الكارثة. وسرعان ما أعلنت أحزاب المعارضة موقفاً شاجباً برفضها توزيع الجنسية التركية كهدية من الرئيس. علاوةً على ذلك، ادعى بعض الأشخاص، بمن فيهم نائب رئيس نقابة المحامين التركية حسين أوزبك، أن محمود العثمان لم يظهر أي عمل بطولي على الإطلاق، وبأن شريط فيديو المنتشر كان جزءاً من سيناريو لتهيئة الجمهور لتقبل الهجرة الجماعية من إدلب.
تحولت إدلب التي تتعرض لقصف عنيف مع سقوط إتفاق وقف إطلاق النار، لتصبح قصة في الصحافة التركية التي تغطي باهتمام عدد الأشخاص الذين اضطروا إلى الفرار باتجاه الحدود التركية. ووفقاً للأرقام التي قدمتها الدولة ونشرتها وكالة الأناضول، ارتفع عدد النازحين من إدلب وحلب منذ تشرين الثاني 2019 إلى 541 ألفاً.
يُعد هذا الملف بشكل عام الشغل الشاغل الوحيد للمجتمع التركي. وتعبر الحكومة التركية عن المخاوف نفسها، إلى جانب تحذيراتها الخاصة بضرورة سلامة الجنود الأتراك في نقاط مراقبتها المنتشرة في منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب. وإعلانها أنه سيتم الرد بشدة على أي هجوم من شأنه أن يعرض المواقع التركية للخطر.
الاستعداد للمفاوضات
كانت تركيا على دراية بحقيقة أن النظام السوري سوف يستولي على إدلب مستخدماً سياسة القضم، وأن المعارضة ليس لديها القدرة العسكرية لمنعه من التقدم. إلا أن لأنقرة حسابات أخرى، فخطتها هي كسب الوقت لإدارة أزمة اللاجئين، ووقف إطلاق النار كان جزءاً من الصفقة الروسية-التركية بشأن ليبيا والاتفاقيات الثنائية. وعليه، يمكن الاستنتاج أن المعركة النهائية من أجل سوريا قد بدأت، وسوف يفوز بها النظام في نهاية المطاف، وهذه حقيقة لم تعد مهمة بعد الآن بالنسبة لتركيا التي تأمل أن يؤدي اتفاقها مع الروس لمنع تفاقم أزمة اللاجئين.
نظراً لمعرفتها بأن الفوز في ساحة المعركة لن يعني بالضرورة الفوز في طاولة المفاوضات، بدأت أنقرة بالفعل في البحث عن أساليب جديدة لتستخدمها عند التفاوض. في هذا الصدد، تحاول أنقرة إقناع الولايات المتحدة بأن الوضع المؤلم في إدلب هو فرصة للولايات المتحدة لاكتساب المزيد من النفوذ مستفيدةً من علاقتها مع تركيا كقوة موازنة لروسيا. ويمكن اعتبار المحادثة الهاتفية التي جرت بين ترامب وإردوغان في 28 كانون الثاني، كعلامة على صوابية هذا الافتراض، خصوصاً أن الزعيمين اتفقا على أن العنف الذي يجري في إدلب يجب أن يتوقف. ومع ذلك فإنه من المبكر الجزم بما إذا كانت جهود أنقرة ستؤتي ثمارها.
وفي ختام تحليل مجريات الأمور، تجدر الإشارة أنه في خضم كل هذه المفاوضات، تعاني الإنسانية تحت أنقاض زلزال إدلب، وليس هناك من بطل يستطيع التدخل لإنقاذ الموقف.