الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا وأضعف الإيمان

سوريا وأضعف الإيمان

16.04.2014
حسين شبكشي


الشرق الاوسط
الثلاثاء 15/4/2014
ما الخبر الأهم في العالم العربي؟ وسط عاصفة الأنباء المتلاحقة التي تشبه الشلالات العنيفة والمتدفقة بقوة مهولة، يحتار في أمر الخبر "الأهم". فنشرات الأخبار تتحرك بين المحلي والعربي والدولي بحسب "طبق اليوم" و"النكهة" الإخبارية الخاصة باليوم نفسه، وإذا كان ذلك الأمر قديما يتأثر بالخبر الأهم الذي تبثه إذاعة الـ"بي بي سي" أو "صوت أميركا" أو "راديو مونت كارلو" ثم تحول إلى قناة الـ"سي إن إن"، فإن التأثير هذه الأيام يأتي من قبل الإعلام الاجتماعي بقنواته المختلفة من "تويتر" و"فيسبوك" وغيرهما، وهي القوى الأهم والأكثر تأثيرا وأكثر فعالية في تحديد "أولوية" الخبر المنشود وأهميته بالنسبة للمتلقي، ولكن الصعوبة تكمن في "تحديد" الفعالية نفسها. فاليوم بات من الصعب معرفة، تحديدا، عدد الأفراد الذين يطلعون على المحتوى الإلكتروني ويتفاعلون معه بشكل دقيق، فـ"زيارات" الصفحة ليست بالمعيار الدقيق، كما اتضح من المتابعة.
اليوم، هناك "قصص" محلية مهمة باتت تطغى على أي حدث دولي مهما بلغت أهميته أو قدمت قصته. فلبنان الذي كان "متخصصا" في صياغة وحياكة وإعداد وبث الخبر العربي، بات كل بلد بحسب وضعيته وحاجته الآن منغمسا حتى النخاع في شؤونه ومشاكله، بل إن القصة اللبنانية التي كانت تلقى الاهتمام والمتابعة من الإعلام العربي ذات يوم طغت عليها أخبار أهم وأكثر إلحاحا، لأن المتلقي سئم من تكرار نفس الخبر اللبناني عبر عقود متتالية بنفس الأبطال ونفس الأسباب.
أما القصة الفلسطينية، فهي الغائب الحاضر الأبرز والمستمر دوما لأنها المأساة التي لا تغيب، فهي القصة صاحبة حجم المأساة الأعظم لأن إسرائيل لا تزال تقتل وتغتصب الأراضي وتعتقل وتشرد أهل البلاد، محققة حجما من الظلم لم يعرف مثله في العصر الحديث وبتأمين أعمى من المجتمع الدولي، أشبه وأقرب للكابوس المرعب والمخيف.
وطبعا، هناك المشهد المصري؛ شعب يحاول الاستقرار ومعارضة لجأت إلى الإرهاب وبينهما محاولات للبناء والإحساس بالأمان، ووسط هذا المشهد يطل علينا النظام في السودان برمزه حسن الترابي الذي تصالح مع الرئيس عمر البشير (وكان قد تفاخر ذات يوم بأنه هو الذي أتى بالبشير رئيسا للجمهورية ويقدر على إزالته).. وسط كل ذلك، يأتي الترابي ليقدم اعتراضه واحتجاجه على "الانقلاب العسكري" الذي حصل في مصر وأطاح بـ"الشرعية المنتخبة" فيها، متناسيا ومتجاهلا أنه هو نفسه قاد انقلابا عسكريا مع عمر البشير ضد الصادق المهدي رئيس الوزراء المنتخب من الشعب وقتها. إنه فصل آخر من الهزلية السياسية التي تمارس باسم الإسلام السياسي، والدين من ذلك براء.
ليبيا تحولت إلى مشهد قاتم وصارخ؛ سياسة هزلية وفوضى غير خلاقة ولا صاحب لها، بل إن الثورة الليبية تمكنت من تحقيق إنجاز فريد من نوعه وهو أشبه بالإعجاز البشري، لأنها جعلت البعض يترحم على أيام طاغية موتور مجنون، لأن جنوح الثورة الليبية نحو التطرف والتشدد الديني والعصبية والعنصرية والقبلية مزق البلاد وشرخ النسيج الاجتماعي بشكل مهول، وبات المشهد صعبا كأن التقسيم قادم لا محالة كحل لتلك الآفات التي انطلقت كالعفاريت المحبوسة منذ زمن طويل جدا.
ويبقى المشهد السوري هو القصة الأعظم، فالجريمة لا تصدق، لم يعرف التاريخ مجرما مثل نظام الأسد، وها هي أعداد من قتلوا على أيدي قواته من أبناء الشعب تتجاوز الربع مليون، غير الآلاف المشردين والمعتقلين، والعالم لا يتمكن من الخلاص منه وإيقافه عند حده (يقال إنه ينفذ رغباتهم، وهناك من يريد الإبقاء عليه لاستكمال الأدوار التي وظف لأجلها هو ووالده عبر أربعة عقود من الزمن). حجم المأساة مذهل وحجم الكارثة مهول، وما يصل إلينا عبر الإعلام لا يتجاوز إلا عشرة في المائة من حقيقة ما يحدث، نظام تعود أن يرتوي من دماء شعبه، تعود نفس الأسلوب لسنوات طويلة حتى انكشف الأمر وخرج مارد الشعب من قمقم الخوف. لم يعد هناك مكان لقصة فيروس "كورونا" ولا الطائرة الماليزية ولا انتخابات الجزائر ولا تقسيم اليمن المنتظر ولا الطحن الطائفي في العراق، كل القصص تحجم وتصغر أمام المأساة السورية، إنها أعظم جرائم العصر لأنها ترتكب من أكثر الأنظمة إجراما التي عرفها التاريخ المعاصر. مأساة المواطن السوري هي في المقام الأول مأساة إنسانية، ومن هنا وجب مناشدة كل الأنظمة العربية باستثناء المواطن السوري من كل الشروط ومن كل الالتزامات ومن كل الرسوم، فالسوري عزيز نفس كريم أصل، ومساعدته في محنته بالتخفيف عنه أمام إجرام نظامه هو أقل ما يجب وهو أضعف الإيمان.