الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تطبيع و"حلّ إقليمي" يطلّ برأسه من جديد

تطبيع و"حلّ إقليمي" يطلّ برأسه من جديد

29.11.2018
ياسر الزعاترة


العرب القطرية
الاربعاء 28/11/2018
ربما يجد البعض صعوبة في فهم ماهية "الحل الإقليمي" الذي نتحدث عنه، ولذلك لا بد من التوضيح.
ترددت قصة "الحل الإقليمي" مراراً خلال السنوات الماضية، قبل ما يُعرف بـ "صفقة القرن"، ثم عاد وتردد بعدها بالمصطلح ذاته، وغالباً بدونه، وذلك في محاولة للالتفاف على فشل الصفقة، أقله إلى الآن، وللتذكير فهو مصطلح للحل ذاته، الذي سمّاه شارون الحل "الانتقالي بعيد المدى"، وسمّاه نتنياهو "السلام الاقتصادي"، وسمّاه بيريز "الدولة المؤقتة".
من يتابعون ملف القضية على نحو يومي -كما نفعل منذ عقود- يدركون أن الكيان الصهيوني لا يقترب بأي حال من كل الطروحات الفلسطينية والعربية التقليدية في ملف التسوية، وما كان يفعله طوال عقود هو استدراج العرب والفلسطينيين تباعاً، نحو مزيد من التنازلات من دون أن يقدم هو أي شيء في المقابل.
أما اتفاق أوسلو، فقد كان الاستدراج الأكبر، ليس بتخليص الغزاة الصهاينة من الوجه القذر للاحتلال، ومن كلفته الأمنية والاقتصادية، بل بتخليصهم مبدئياً من الكلفة السياسية، وفتح الباب أمام الجوهر الحقيقي للحل الذي يؤمنون به بكل فئاتهم.
وحين نتذكر الجدل الذي دار أثناء إنجاز الاتفاق، سندرك حقيقة ذلك الحل، فقد رفضوا بكل قوة مصطلح "انسحاب الجيش الإسرائيلي"، وأصرّوا على مصطلح "إعادة انتشار"، والسبب هو رفض الاعتراف بفلسطينية الأراضي التي يتركونها، لأنها عندهم "يهودا والسامرة"، وأي تنازل عن شبر منها يعني نسف روايتهم الدينية للصراع.
اتفاق أوسلو كان بداية تنفيذ الحل الذي يؤمنون به، ممثلاً في نقل عبء إدارة السكان الفلسطينيين إلى سلطة تمثّلهم، من دون التنازل عن الأرض، وأهمها القدس، فضلاً عن الرفض الحاسم لأية عودة للاجئين إلى الأراضي المحتلة عام 48.
"صفقة القرن" تريد تحقيق هذه المعادلة كاملة "القبول بحكم ذاتي دون سيادة ولا قدس ولا عودة لاجئين"، عبر اعتراف فلسطيني وعربي شامل، الأمر الذي يبدو مستحيلاً بكل المقاييس، لأن قائداً فلسطينياً -مهما بلغ "انبطاحه"- لا يمكنه القبول بذلك، كما أن أي زعيم عربي -مهما بلغ "انبطاحه" أيضاً- لن يقبل بتمرير صفقة من هذا النوع، بخاصة حين يرفضها الفلسطينيون.
"الحل الإقليمي" بدوره، هو استكمال "ذكي" لمشروع أوسلو، ويقوم على تكريس الحل المشار إليه في "صفقة القرن" من دون إعلان رسمي، أي إبقاء واقع الحكم الذاتي الراهن على حاله، مع تحسينات أكثرها اقتصادية الجوهر، مع فتح أبواب التطبيع العربي على مصراعيها، ومن ثم يتحول الواقع -المرفوض سياسياً كحل نهائي- إلى حل نهائي من دون الإعلان رسمياً عن ذلك، وبمرور الوقت يتحول الصراع إلى ما يشبه النزاعات الحدودية التي يعرف العالم كثيراً منها دون حل عملي.
الآن، وعبر الموجة الجديدة من التطبيع العربي التي تابعناها وسنتابعها، يتم إحياء "الحل الإقليمي" إياه، فالعرب يطبّعون من جهة، والسلطة تواصل مهمتها في خدمة الاحتلال، وتكريس هياكل دولة في الداخل، بما في ذلك قانون للضمان الاجتماعي كأنها دولة مستقرة ولا تواجه مشاكل من أي نوع، ويمكن لرئيسها أن يواصل الخطابة حول رفض "صفقة القرن" التي يمكن أن تختفي من التداول بالكامل، في الوقت ذاته يتم تطبيع الوضع في قطاع غزة على شبه دولة منفصلة إذا لزم الأمر، أو يُعاد لولاية السلطة، وإيجاد وسيلة للتواصل مع الضفة.
العقدة الكبرى في هذه اللعبة التي تنطوي على تصفية للقضية بطريقة التفافية هي قيادة السلطة، فما دامت تصرّ على رفض المقاومة في الضفة، مع إصرار على نقل تجربتها الكارثية إلى الضفة، فهي تمهّد الطريق لنجاح المؤامرة، وفيما سمعنا من "مجلسها المركزي" كلاماً ثورياً عن تعليق الاعتراف بدولة العدو، ووقف التعاون الأمني، وفك الارتباط مع الاحتلال، فإن الكل ينتظر وضع ذلك موضع التطبيق، ويبدو أن الانتظار سيطول، ليغدو إفشال هذا الحل معقوداً على تطورات دولية وإقليمية مختلفة، أو انتفاضة من الشعب الفلسطيني تقلب الطاولة في وجه الجميع، وهي انتفاضة يعمل الجميع على منعها بكل وسيلة ممكنة، بمشاركة السلطة بطبيعة الحال.;