الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا وقسد.. مواجهة أم تفاهم؟

تركيا وقسد.. مواجهة أم تفاهم؟

04.08.2019
خورشيد دلي


العربي الجديد
السبت 3/8/2019
لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع بتهديدات تركية، ومن أعلى المستويات، بشن عملية عسكرية في شرقي الفرات في سورية، ضد القوات الكردية التي تصفها أنقرة بالإرهاب، ولعل ما يوحي بإمكانية حصول هذه العملية حالة التأهب التركية على الحدود، وإرسال مزيد من القوات إلى هناك، والزيارات التفقدية لكبار قادة الجيش التركي إلى المناطق الحدودية، فضلا عن لهجة التحدي التركية لرفض واشنطن القيام بمثل هذه العملية، وتهديد أنقرة بتنفيذ عملية عسكرية حتى من دون موافقة واشنطن، ما لم تتم إقامة منطقة آمنة في شمال شرق سورية. واللافت أن الرئيس التركي أردوغان صعد من سقف خطابه، عندما خرج، قبل فترة، مهددا، بالقول إنه سيتم دفن هؤلاء تحت التراب، أو عليهم قبول العيش بالذل (في إشارة إلى القوات الكردية)، وكأنه كان يرد على التصريحات السابقة للرئيس الأميركي، ترامب، عندما هدد بتدمير اقتصاد تركيا، إذا هاجمت الأخيرة حلفاءه الكرد في شرقي الفرات.
مع هذا السقف العالي للتهديدات التركية، ثمّة تساؤلات كثيرة عن حقيقة هذه التهديدات، والهدف أو الأهداف منها، ولعل في مقدمة هذه التساؤلات: هل فعلا يمكن أن تقوم تركيا بعملية عسكرية من دون موافقة أميركية؟ وهل سنشهد صداما تركياً – أميركياً إذا قامت أنقرة بمثل هذه العملية من دون اتفاق مع واشنطن؟ وهل الهدف من عمليةٍ كهذه هو إقامة منطقة آمنة بالقوة أم فرض شكل من الاحتلال كما حصل في عفرين؟ ثمّة قناعة عامة بأن تركيا لن تقوم بهذه العملية دون موافقة أو اتفاق مع الجانب الأميركي، إذ يرى هؤلاء أنها ستكون مغامرةً غير محسوبة، وأنها ستفتح للمرة الأولى باب المواجهة الأميركية - التركية المباشرة، بسبب وجود 
"الموقف الأميركي من إقامة المنطقة الآمنة بدا أقرب إلى "قسد" قوات أميركية هناك على الأرض، وأن تركيا في النهاية ليست بصدد هذه المواجهة في ظل الرفض الأميركي لأي عملية عسكرية تركية. وعليه، يرى هؤلاء أن الهدف من التهديدات التركية سياسي أكثر مما هو عسكري، وأن الهدف الأساسي من ذلك دفع واشنطن إلى تقديم تنازلاتٍ بشأن المنطقة الآمنة، بحيث تكون أقرب إلى الشروط التركية. ولعل ما يدفع إلى هذا الاعتقاد أن التصعيد التركي جاء على وقع تعثر المحادثات الأميركية – التركية أخيرا في أنقرة بشأن إقامة المنطقة الآمنة، إذ وجدت أنقرة أن الموقف الأميركي من إقامة هذه المنطقة بدا أقرب إلى موقف قوات سورية الديمقراطية (قسد) من موقف أنقرة، لجهة عمق المنطقة، والقوى التي ستديرها وتشرف عليها، فضلا عن مصير وحدات الحماية الكردية والأسلحة الثقيلة التي في حوزتها.
مع وصول التهديد التركي إلى هذا المستوى المتطور، قد يكون صعبا على أنقرة التراجع عن القيام بعملية عسكرية، حتى ولو كانت محدودة، ما لم يحصل تطور مهم. وفي هذه السياق، تتجه الأنظار إلى المحادثات التركية – الأميركية من جديد، وخصوصا أن ثمّة توافقا بين الجانبين على إقامة المنطقة الآمنة، وأن المحادثات بينهما مستمرة، للوصول إلى اتفاق بشأن إقامة المنطقة الآمنة. وعليه، إلى حين حصول مثل هذا الاتفاق من عدمه، ستبقى الأنظار مشدودةً إلى التهديدات التركية، وإمكانية تحولها إلى عملية عسكرية في أي وقت.
ترى "قسد" أن وجودها بات مهدّدا، في ظل التهديد التركي بعملية ثالثة، على غرار عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون". وقد أبدت مرارا استعدادها للحوار والانفتاح على تركيا، 
"التصعيد التركي جاء على وقع تعثر المحادثات الأميركية – التركية أخيرا" شرط أن تؤدي أي عملية سياسية أو حوارية بينهما، إلى الإقرار بوجودها، على اعتبار أنها تمثل مكونات سورية لعبت دورا فاعلا في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتطالب بالاعتراف بها، على قاعدة سورية دولة لا مركزية، ومن حقها المشاركة في الجهود الهادفة إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية. ومع أن تركيا ترفض هذا الخطاب جملة وتفصيلا، إلا أن وجود العامل الأميركي قد يفتح باب التفاهمات بين الجانبين على ترتيبات أمنية، وإنْ بطريقة غير مباشرة، إذ بات واضحا أن الطريق إلى ذلك يمر عبر إقامة منطقة آمنة. وفي العمق، ترى "قسد" أن تركيا التي كانت في السابق ترفض أي اعتراف بكيان كردي في إقليم كردستان العراق، باتت اليوم في أفضل علاقات مع الإقليم، وأن اتهام تركيا لها بأنها امتداد لمشروع حزب العمال الكردستاني أمر يفتقر إلى الدقة، وخصوصا أنها لا تطرح نفسها على أساس أيديولوجي قومي كردي، بقدر ما هو مشروع سوري، يجمع مكونات شرقي الفرات.
وعليه، بلغة الحسابات، يمكن القول إن هدف سيناريو التصعيد العسكري الجاري على الحدود قد يكون البحث عن توافق على إقامة منطقة آمنة، بشروط وضمانات تحد من المخاطر التي تعتقد تركيا أنها تهدّد أمنها القومي، فضلا عن أن هذا الاتفاق قد يكون مدخلا لتفاهمات تركية – أميركية، بعدما توترت علاقاتهما أخيرا على وقع صفقة إس 400، وغيرها من القضايا الخلافية بين البلدين. ولعل كل ما سبق يبقي على خياري الصدام والتفاهم في الوقت نفسه.