الرئيسة \  تقارير  \  “أوكوس” صراع أمريكى - صينى تحت قاع المحيط

“أوكوس” صراع أمريكى - صينى تحت قاع المحيط

26.09.2021
محمد بدر


مبتدأ
السبت 25 أيلول 2021
أدى الإعلان عن تحالف "أوكوس" بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، ضمن لعبة الشطرنج البحرية فى المحيطين الهندى والهادئ، لرسم فصل تاريخى جديد من الجغرافيا السياسية لمنطقة آسيا - المحيط الهادئ.
وخلُص المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، فى دراسة نشرها اليوم الجمعة، إلى أن تحالف "أوكوس" الجديد، سيؤدى لتداعيات على السياسة العالمية، فى المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، فى ظل تنامى النفوذ الصينى فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ.
ولفت إلى أن الشراكة الأمنية الثلاثية الموسعة فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ (أوكوس) AUKUS، شملت مساعدة أستراليا على حيازة غواصات نووية لأول مرة فى تاريخها، الاتفاقية التى تم تعتبر بمثابة انقلاب استراتيجى كبير لخريطة الجغرافيا السياسية فى المنطقة.
أزمة دبلوماسية
أدى الاتفاق بين الدول الثلاث، إلى نشوب أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين الولايات المتحدة وفرنسا، فإن الجانب السلبى الرئيسى لتحالف "أوكوس" الجديد هو القطيعة مع قوة أخرى فى غرب المحيطين الهندى والهادئ. حيث ستتخلى أستراليا عن خطتها البالغة 43 مليار دولار لبناء غواصات فرنسية تقليدية، على إثر ذلك اتهمت فرنسا كلا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة "بطعنها فى الظهر"، كما اتهم بيان رسمى سياسة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة "بغياب التماسك".
وأصبح الأمر لفرنسا الآن يتجاوز خسارة عقد عملاق لأنها تعلق أهمية كبيرة على دورها فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ حيث تحتفظ بحوالى 7.000 جندى ولديها ما يقرب من مليونى مواطن فى أراضى جزر مثل كاليدونيا الجديدة وبولينيزيا الفرنسية، ولذلك عملت دوما على بناء علاقة أوثق مع أستراليا. والبيان الصادر عن المشاورات الوزارية الأسترالية الفرنسية رفيعة المستوى فى أغسطس الماضى عبر عن "قوة الشراكة الاستراتيجية" بين البلدين فى العديد من المجالات، وشدد على "أهمية برنامج المستقبل للغواصات". ومع ذلك، لم يتم إخطار فرنسا بالاجتماعات التى جرت حول اتفاقية الأوكوس على مدار ستة أشهر.
وتدافع الدول الموقعة على الشراكة الأمنية بأنه ليس لفرنسا الحق فى الإصرار على استمرار أستراليا فى اتفاق شراء غواصات تم توقيعه فى عام 2016 وأصبح متأخرًا كثيرًا عن الجدول الزمنى، فقد أصبحت هذه الغواصات تكنولوجيا رديئة فى مواجهة التهديد الصينى المتصاعد.
قمع التنين الصينى
أشار المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية إلى أن "أوكوس" تعد تحولا كبيرا بالنسبة للولايات المتحدة فى تصميمها على مواجهة ما تعتبره تهديدا متزايدا من قبل الصين وبخاصة التحدى البحرى الذى تشكله فى المحيط الهادئ. ومشاركة أمريكا لا تقتصر على جواهر التاج للتكنولوجيا العسكرية ومحطة الدفع للغواصات النووية مع بريطانيا ولكنها تشير بقوة إلى التزامها طويل الأمد تجاه "منطقة المحيطين الهندى والهادئ الحرة والمفتوحة".
وتؤكد الاتفاقية أن إدارة بايدن تعمل وفقًا لاستراتيجية المحيطين الهندى والهادئ التى صاغتها إدارة ترامب ورفعت عنها السرية فى وقت سابق من هذا العام قبل أسابيع من تنصيب بايدن. وطرحت الوثيقة ثلاثة أسئلة رئيسية: أولاً، كيفية الحفاظ على التفوق الاستراتيجى للولايات المتحدة فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ ومعارضة جهود الصين لإنشاء مجالات نفوذ غير ليبرالية جديدة. ثانيًا، كيفية منع كوريا الشمالية من تهديد الولايات المتحدة وحلفائها. وثالثًا، كيفية دفع عجلة القيادة الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة.
وتظهر "أوكوس" أن واشنطن تركز على العنصر العسكرى فى ردع الصين. ويؤثر هذا التشكيل أيضا، وإن كان بشكل غير مباشر حتى الآن، على روسيا، حيث تظهر دولة أخرى غير صديقة لموسكو (أستراليا) فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لديها أسطول غواصات نووية. وأصبحت أستراليا، القريبة نسبيا من بحر الصين الجنوبى، رابطاً لا غنى عنه فى الخطط الأمريكية. وامتلاك غواصات نووية فى المستقبل سيسمح لأستراليا بالقيام بدوريات طويلة فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ.
محاولة محفوفة بالمخاطر
تعد الشراكة الدفاعية التى تم تشكيلها حديثا محاولة محفوفة بالمخاطر من إدارة بايدن لاستعادة الهيمنة الأمريكية فى العالم. فـ "أوكوس" يقيد الصين من جهة المحيط الهادئ.
وظروف الانسحاب الأمريكى من أفغانستان خلقت مشاكل للصين (وبالتالى، لروسيا) من جهة الغرب، فى آسيا الوسطى. على هذه الخلفية، تؤكد الصين على تزايد أهمية دور منظمة شنغهاى للتعاون فى تحقيق الاستقرار فى العالم والدور الخاص للتعاون الاستراتيجى بين روسيا والصين اللتين تشكلان نواة هذه المنظمة.
استعادة بريطانيا العظمى
وكشف المركز المصرى عن أن بريطانيا قد تكون هى الطرف الأقل أهمية بين ثلاثى الـ"أوكوس" وهو الأمر الذى تجلى فى قرار فرنسا بعدم استدعاء سفيرها فى لندن ووصفها لبريطانيا بأنها العجلة الثالثة فى الاتفاقية، إلا أن هذه الاتفاقية بالنسبة لرئيس الوزراء البريطانى "بوريس جونسون" توضح الدور المتغير لبلاده فى العالم وتتناغم بشكل جيد مع جهود ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى والترويج لـ "بريطانيا العالمية" وتشير لـ "الاتجاه نحو المحيطين الهندى والهادئ" على النحو الذى تم تبنيه فى المراجعة الشاملة للسياسة الخارجية والدفاعية البريطانية التى نُشرت فى مارس الماضى.
كما أن الصفقة ليست مجرد انقلاب سياسى لجونسون حول رؤيته لبريطانيا العالمية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبى، ولكنها بمثابة إهانة للرئيس الفرنسى ماكرون، الذى لم يكن لدى حكومته أى فكرة عن الاتفاقية، وعلى الرغم من أن ماكرون لن ينال تعاطفا كبيرا من البريطانيين كونه كان أكبر المتعنتين ضد بريطانيا خلال مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبى فى عام 2017. إلا أن الشماتة لن تجعل العالم أكثر أمانًا.
وفرنسا حليف مهم للناتو وأحد أكبر المساهمين فى الحلف، ولأنها أخذت بزمام المبادرة فى المهام القتالية ضد الإرهابيين العاملين فى منطقة الساحل والذين يشكلون تهديدًا مباشرًا لأوروبا، بما فى ذلك بريطانيا، ففى 16 سبتمبر الجارى، قتلت القوات الفرنسية قائد تنظيم "الدولة الإسلامية" فى الصحراء الكبرى عدنان أبو وليد الصحراوى.
مصالح أوروبية مشتركة
وللدور الفرنسى فى خدمة المصالح الأوروبية المشتركة، تتعالى الأصوات فى بريطانيا بضرورة احتضان فرنسا من أجل تقوية التحالف الغربى وإنه يجب على جونسون أن يقترح على بايدن إدراج الفرنسيين فى الاتفاقية الجديدة. ومن الضرورى ألا تؤدى هذه الاتفاقية إلى مزيد من التدهور فى العلاقات بين بريطانيا وفرنسا التى هى بالفعل فى أدنى مستوياتها فى الذاكرة الحديثة، مع وجود خلاف بين الحكومتين حول ضوابط الحدود بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وبروتوكول إيرلندا الشمالية.
وبريطانيا وفرنسا هما القوتان العسكريتان الرائدتان فى أوروبا ولديهما مصالح استراتيجية مشتركة فى منطقة جوار أشارت الولايات المتحدة إلى أنها تفقد الاهتمام بها بشكل واضح، وإن إحدى الطرق التى يمكن من خلالها للجانبين وضع علاقتهما على أسس أكثر ضمانًا هى أن يقبل جونسون عرضًا من الاتحاد الأوروبى باتفاق أمنى ودفاعى جديد بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
تأكد ذلك التقارب، فى الاتصال الهاتفى، الذى أجراه رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، اليوم الجمعة، مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والذى دعا خلاله إلى استئناف التعاون بين البلدين، وسط توتر العلاقات بينهما على خلفية الاتفاق الأمنى الثلاثى الذى أعلنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا توقيعه قبل أيام، حسب ما ذكرت الحكومة البريطانية والرئاسة الفرنسية.
وقالت الحكومة البريطانية، إن الزعيمين "أكدا أهمية العلاقات البريطانية الفرنسية واتفقا على مواصلة العمل الوثيق سويا حول العالم على جدول أعمالهما المشترك، من خلال الناتو وعلى المستوى الثنائى"، وأشاروا على وجه التحديد إلى الأهمية الاستراتيجية للتعاون طويل الأمد بين البلدين فى منطقة المحيطين الهادئ والهندى وأفريقيا، بما يتضمن مهمتهم المشتركة فى مالى.
وأبدى رئيس الوزراء البريطانى، بحسب البيان، تطلعه لاستقبال الرئيس ماكرون فى جلاسكو، نوفمبر المقبل، فى إطار الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، وناقش المسئولين أهمية زيادة التحركات الدولية بشأن تمويل أنشطة مواجهة التغير المناخى.
وأشار بيان الرئاسة الفرنسية إلى أن المحادثة الهاتفية أُجريت بناء على طلب من جونسون، موضحا أن الأخير أخبر ماركون برغبته فى "إعادة تأسيس التعاون" بين الجانبين، بعد التوتر الذى لحق بالعلاقات بينهما بسبب الاتفاق الثلاثى الذى انسحبت أستراليا بموجبه من اتفاق مع باريس بقيمة 50 مليار دولار لشراء غواصات فرنسية.