الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا.. ماذا بعد الضربات؟

سوريا.. ماذا بعد الضربات؟

22.04.2018
باسكال بونيفاس


الاتحاد
السبت 21/4/2018
عندما قام نظام بشار الأسد مرة أخرى بتجاوز "الخطوط الحمراء" التي كانت الولايات المتحدة قد رسمتها، وهي استخدام الأسلحة الكيماوية، قررت واشنطن وباريس ولندن الرد على ذلك. غير أن هذه العواصم حرصت، بدورها، على عدم تجاوز خطين أحمرين آخرين، ألا وهما: تدخل كبير ضد سوريا، ومواجهة مباشرة مع حليفي الأسد (روسيا وإيران).
الضربات استهدفت على الخصوص المنشآت الكيماوية السورية، وقد أعلنت كل الأطراف أنها لم تتسبب في إصابات للمدنيين. وبالنسبة للبلدان الغربية، فالأمر كان يتعلق باختبار مصداقية في المقام الأول. لكن، وحرصاً منها على عدم الوقوع في مأزق ذي عواقب غير محسوبة، فإن البلدان الغربية الثلاث أطّرت ردها بعناية، وزعمت وفاءها بتعهدها (وهو هدفها الأول والرئيس أصلا).
البعض فوجئ بردود الفعل الغربية على استخدام الأسلحة الكيماوية وبصمتها إزاء استخدام الأسلحة التقليدية التي تتسبب في عدد أكبر من القتلى. والحال أن لدى الأسلحة الكيماوية قانوناً خاصا منذ الحرب العالمية الأولى، أكده بعد ذلك القانونُ الدولي: فبموجب معاهدة وقعت في 1993، فإن امتلاك وصنع واستخدام الأسلحة الكيماوية محظور كليا. وإلى جانب الأسلحة البيولوجية (1972)، فإن الأمر يتعلق بفئة واحدة من الأسلحة التي تشكّل موضوع حظرٍ عام وملزم لكل الدول.
وقد انضمت سوريا إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية في 2013. ولأنها من البلدان الموقعة على المعاهدة، فإن تدخل القوى الغربية استفاد من وضعٍ قانوني خاص. ذلك أن التدخل لا تنطبق عليه المعايير القانونية للعمل العسكري –ترخيص مجلس الأمن الدولي والدفاع الشرعي عن النفس– وإنما يستجيب لنوع خاص من انتهاكات القانون الدولي. ثم إن التدخل لم يغيّر ميزان القوة العسكرية على الأرض.
فالضربات لم تُضعف بشار الأسد الذي نجح، بفضل الدعم الروسي والإيراني، في كسب رهان البقاء في السلطة، وإنْ كان ثمن ذلك قمع فظيع ودموي. والواقع المحزن هو أن الأسد ما زال على رأس بلد سيكون من الصعب جداً إعادة إعماره. وهذا يُثبت أن الحكومات المستعدة لكل شيء من أجل البقاء قادرةٌ على فعل ذلك، شريطة نيل الدعم من قوة كبرى.
إن الأمر الملح والمستعجل في سوريا، حالياً، هو تجنب تدهور الوضع وتطوره إلى نزاع يتواجه فيه الروس والأميركيون والإسرائيليون والإيرانيون. غير أن الدبلوماسية وحدها يمكن أن تسمح بالخروج من هذا الوضع المقلق. وبغض النظر عن المبالغة بشأن الأفعال والكلمات المستعملة، فاللافت هو أن كل الأطراف أبانت عن قدر من ضبط النفس، حيث تم تجنب المواقع الروسية في سوريا بعناية، عندما لم تقم هذه الأخيرة بنشر أنظمة دفاعية. لكن مع تصاعد التوتر، لابد من أن يدرك الجميع الطابع الملح والمستعجل لتعميق المشاورات بين القوى العسكرية المعنية، وبالخصوص إطلاق عملية دبلوماسية تشمل الجميع، ولا تقتصر على حلفاء كل طرف فقط.
لكن، من سيجعل بشار الأسد يستسلم؟ ومن سيجعل المعارضة المعتدلة وأغلبية السوريين يقبلون ببقاء هذا الأخير في السلطة؟ الواقع أنه إذا كان التصلب الروسي أمراً يستوجب التنديد، فإنه لا ينبغي أن ننسى أن السوريين أيضاً ضحايا غير مباشرين للحربين الكارثيتين في العراق وليبيا (2003 و2011).
لكن، هل يمكن أن يقبل الروس بالتخلي عن الأسد مقابل حل –سبق أن أشير إليه في الماضي– يتمثل في حكومة ائتلافية تضم عناصر من النظام من دون الأسد، ومن المعارضة من دون التنظيمات المتطرفة؟ لا شك أن الأسد سيفعل كل شيء من أجل تجنب وضع من هذا القبيل.
ثم إن روسيا لا تملك الإمكانيات لإعادة إعمار سوريا، شأنها في ذلك شأن إيران. ولا شك أن المبدأ الذي حدّده في 1991 كولن باول، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، بخصوص العراق لتبرير رفضه الذهاب حتى بغداد ("إذا كسرته، فإنه يصبح ملكك")، ينطبق على الوضع الحالي.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس