الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحرب التي كشفت الغطاء

الحرب التي كشفت الغطاء

25.10.2016
عبدالعزيز التويجري


الحياة
الاثنين 24-10-2016
هل هي فعلاً حربٌ لتحرير الموصل، أم هو صراع محموم لإخضاع هذه المدينة ذات الغالبية السنية للمخطط الإيراني الطائفي كما أُخضعت من قبل مدن ومناطق أخرى تم استلامها من تنظيم داعش؟ وهل كتب على الموصل أن تصبح مثل حلب مدينة عربية سنية مدمرة؟
هناك أطراف عدة تتصارع للانفراد بالاستيلاء على الموصل، فالجيش العراقي ذو الغالبية الشيعية طرف واحد منها. والحشد الشيعي الذي يأتمر بالأوامر الإيرانية ويخدم المصالح الإيرانية طرف آخر. وهو في العراق مثل حزب الله في لبنان. ولقد ثبت أن الحشد الشيعي هذا إذا دخل مدينة أو قرية بعد سيطرة داعش عليها، عاث فيها فساداً وقتلاً وتدميراً، وارتكب جرائم ضد الإنسانية في حق المواطنين العراقيين السنة، انتقاماً منهم و "ثأراً لدم الحسين" كما يرددون هستيرياً. حصل هذا في الفلوجة وتكريت والرمادي وغيرها، وهو ما سيحصل قطعاً في الموصل ومحافظة نينوى عموماً إذا ما سلمها تنظيم داعش إليهم.
ومن المستغرب أن يسمع العالم من أفواه المسؤولين العراقيين هذه الأيام، أنهم حريصون على السيادة العراقية، ولا يقبلون بوجود قوات أجنبية فوق أراضيهم، وهم يقصدون تحديداً، القوات التركية التي ترابط بجوار الموصل لا غيرها، فأي سيادة بقيت لهذا البلد الذي استولت إيران على مقدراته وبات رازحاً تحت احتلالها من خلال الميليشيات التي أنشأتها، وعبر الحكومة نفسها التي أسلست لها القياد حتى صارت ملحقة بها ولا تمثل الشعب العراقي بجميع مكوناته؟
فالولايات المتحدة الأميركية التي احتلت العراق سنة 2003، لم تنسحب من هذا البلد العربي المنكوب ذلك الانسحاب الباهت، إلا بعد أن اطمأنت إلى حلول إيران محلها، وهي اليوم تنسق معها، وليس مع الحكومة في بغداد، في معركة الموصل، إنْ في إطار العلاقات الثنائية، أو في إطار التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده واشنطن. فالأمر سيان، لأن الولايات المتحدة في النهاية صاحبة الأمر، وخيوطها مربوطة مع طهران كما مع بغداد. وهو الأمر الذي يعني أن السيادة العراقية منزوعة، وأن الحكومة العراقية لا تملك من أمرها مثقال ذرة.
في هذا الإطار، نفهم لماذا تصرّ حكومة بغداد في هذه الأيام، وبشكل مفاجئ، على انسحاب الجيش التركي من العراق، خصوصاً بعد أن تأسس الحشد الوطني من السنة الذي صار اليوم يعرف بـ "حراس نينوى" بقيادة المحافظ السابق للموصل. فهذا الحشد الوطني السني الذي تلقى تدريباته من الجيش التركي، ترى فيه إيران خطراً على مصالحها في الموصل ومحافظة نينوى، لأنه إذا شارك في معركة تحرير المدينة، وبقيادة غير مباشرة من الجيش التركي، فسوف يكون حارساً لأهالي الموصل، وغالبيتهم من السنة، من العدوان الذي سيمارسه ضدهم الحشد الشيعي الطائفي، وبذلك يفسد على إيران خطتها الاستعمارية التي هي دافعها للدخول في مستنقع احتلال الموصل.
لا تريد إيران أن يشاركها طرف من الأطراف في معركة السيطرة على الموصل ما عدا الطرف الأميركي، فهذا لا يهدد مصالحها، إن لم يكن يقف إلى جانبها بشكل أو بآخر، وتلتقي معه في أهداف كثيرة، ومنها التطهير الطائفي، الذي هو وجه من وجوه التطهير العرقي، وتمزيق وحدة العراق، فهذه هي مصلحة الاستعمار الجديد، خدمة لمصالح إسرائيل في المقام الأول.
وإذا كانت تركيا تعلن صراحة عن بقائها في تلك المنطقة لحماية السنة ولضمان مصالحها بعد خروج داعش من الموصل، وهذا شأنها، فإن المعركة التي تنتظر الجميع هي تلك التي ستندلع بعد هذه المعركة مباشرة. فمن سيحكم محافظة نينوى؟ هل ستعود الموصل والقرى والبلدات التابعة لها إلى السلطة الوطنية العراقية إذا ما افترضنا أن ثمة سلطة من هذا القبيل فعلاً؟ أم ستكون امتداداً لإيران بطريقة مباشرة، فتتغير بذلك الخريطة الجغرافية، ويصبح العالم أمام الأمر الواقع؟ وماذا سيكون الموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة: هل سيتفق مع مصالحها في المنطقة أن تذعن للمتغير المستجد، وأن تواصل تنسيقها مع طهران؟
السؤال الذي لا نملك أن نتجاوزه هو: إلى أين سيمضي تنظيم داعش بعد سقوط الموصل؟ هل سيتبخر ويذوب في الصحراء وينتهي أمره، أم سيتجه نحو سورية، ولربما نحو بلدان عربية إسلامية أخرى؟
هذا السؤال هو الذي يقلق المتضررين الحقيقيين من إرهاب داعش، لأن وجوده في العراق وفي سورية، قد لا يضر بعض الأطراف، وإن كانت تقول إنها تحارب الإرهاب، وهي أميركا وإيران والنظام الأسدي وإسرائيل، لأن هذا التنظيم لم ينزل من السماء، وإنما هو من فعل فاعل لم يعد مجهولاً، فهو يحمي مصالح صانعيه، وهي مصالح ضد أمن بلاد الحرمين الشريفين، وضد أمن الشعوب العربية كافة، سواء ما نكب منها بهذا التنظيم أو ما بقي بعيداً منه إلى حين.
الحق أن معركة الموصل كشفت الغطاء عن أمور كثيرة، ولا تزال تعري الحقائق وتزيل الأقنعة، والخاسر فيها هم العرب السنة لا غير.