الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأسد وسط الاستقطاب الروسي- الإيراني

الأسد وسط الاستقطاب الروسي- الإيراني

10.04.2019
علي حسين باكير


العرب القطرية
الثلاثاء 9/4/2019
مرّة أخرى يتحوّل الأسد إلى كرة يتم تقاذفها بين الأطراف المتنافسة في سوريا، وبقدر ما يزيد إذلال رأس النظام السوري، بقدر ما يكون ذلك دلالة على مدى نفوذ الطرف المعني عليه. عندما تمّ تصوير الأسد بمفرده في طهران في شهر فبراير الماضي، كانت رسالة إيران أنّ اليد العليا لها فيما يتعلق بالتأثير على النظام، لكن سرعان ما تمّ حينها إعادة نشر صور تُظهر الأسد في موقف ذليل بينما كان الرئيس الروسي يلقي كلمة داخل قاعدة حميميم الجويّة، للقول بأنّ نفوذ موسكو لا يزال هو الأقوى. معارك الرسائل هذه بين إيران وروسيا مستمرة على ما يبدو، وبوتيرة متسارعة مؤخراً.
في أواخر شهر مارس الماضي، أكّدت بعض الصحف العراقية أن الأسد سيزور العراق قريباً تحت حماية إيرانية، وأنّ فريقاً يتكوّن من لبنانيين وعراقيين وإيرانيين يتواصل مع الجانب السوري لإتمام الترتيبات اللازمة لمثل هذا الأمر. مرّة أخرى، تبدو موسكو غائبة عن الصورة، لكن ليس لوقت طويل. يوم الأربعاء الماضي، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الكولونيل جوناثان نجاح إسرائيل في استعادة رفات جندي لها كان قد فُقد قبل 37 سنة، أثناء اجتياحها لبنان في صيف عام 1982. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن خلال اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موسكو إن الجيشين الروسي والسوري عثرا على جثة الجندي الإسرائيلي المفقود منذ حرب لبنان عام 1982، مضيفاً "نحن سعداء للغاية لأنه سيحظى بالتشريف العسكري الذي يستحق في وطنه".
أثار هذا الموقف استغراب البعض، فالإعلان عن دور النظام السوري في العملية جاء من قبل موسكو وليس من قبل الأسد. فضلاً عن ذلك، فإنّ إهداء جثّة الجندي الإسرائيلي -أو ما تبقى منها- إلى نتنياهو جاء بعد أيام فقط من إعلان الأخير ضم الجولان إلى إسرائيل، وهو ما يؤكّد الكلام القائل إنّ نظام الأسد لم يأبه يوماً للجولان، إذ لم يكن قد تنازل عنها بالفعل سابقاً. في جميع الأحوال، الرسالة التي يريد بوتن إرسالها من خلال هذا الموقف هي أنّه يمتلك اليد العليا في التأثير على النظام، لدرجة أنّه أرغمه على أن يساعده في إيجاد جثّة جندي إسرائيلي قبيل نقلها لاحقاً لتل أبيب. بمعنى آخر، فإنّ موسكو أجبرت الأسد على تقديم هديّة للطرف الذي يقوم منذ سنوات بقصف مواقع تابعة للنظام ولإيران داخل سوريا!
وفي هذا السياق، فإن طهران، هي الطرف الآخر المعني بالرسالة الروسية، إذ لطالما كان لدى النظام الإيراني شكوك بأنّه لا يمكن لتل أبيب الاستمرار في تنفيذ ضربات ضد مواقع إيرانية، أو تابعة لإيران داخل سوريا، لو لم يكن هناك موافقة ضمنية من قبل روسيا. ومع تشديد بوتن على علاقاته القوية بنتنياهو، والخطوة الأخيرة التي قام بها، لا مجال آخر على الإطلاق لفهم الموقف الروسي بشكل مختلف من قبل المسؤولين الإيرانيين. في المقابل، هناك من يرى أنّ موسكو أسدت خدمة إلى نظام الأسد في الموضوع عندما قرّبت بينه وبين إسرائيل في محاولة لتخفيف الضغوط عليه ورفعها على الجانب الإيراني. يهدف مثل هذا السلوك الروسي إلى استخدام الآخرين كأوراق لموازنة بعضهم البعض مع بقاء الأفضلية له، وقد نجح إلى حد بعيد حتى الآن بالإبقاء على مثل هذا التوازن النسبي قائماً، لكن إلى أي مدى من الممكن أن يبقى توظيف الآخرين في أجندته سارياً. هذا هو السؤال الأساسي خلال المرحلة المقبلة.ربما يراد من مثل هذا القرار دفع طهران لارتكاب الحماقات ضد الولايات المتّحدة كي يكون ذلك مبرراً لهجوم أوسع عليها. لكن آخذين بالاعتبار ما أشرنا إليها سابقاً، يبدو النظام الإيراني محشوراً إلى حين بين مطرقة السكوت على الضغوط الأمريكية، وسندان الخوف من الرد الذي قد يزيد من وضعها سوءاً.