الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بوتين... غزل للشعبويين وحرب على اللاجئين

بوتين... غزل للشعبويين وحرب على اللاجئين

07.07.2019
محمود الريماوي


العربي الجديد
السبت 6/7/2019
يستذكر المرء كيف أن حزباً يمينياً متطرّفاً ذائع الصيت حالياً، مثل حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، ظل معزولاً على الساحة الدولية، وهامشي الوجود في بلاده، بعد نحو ربع قرن من تأسيسه في العام 1972، غير أن هذا الحزب الذي بدّل اسمه، وأصبح "التجمع الوطني"، حقق نتائج مهمة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية أخيراً (مايو/ أيار 2019)، وأصبح ينافس حزب رئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون (حزب الجمهورية.. إلى الأمام)، بعدما تقدّم عليه بنحو مائتي ألف صوت. وحاز على 23 مقعداً من أصل 751 مقعدا للبرلمان الأوروبي، غير أن الأحزاب الشعبوية "الشقيقة"، مثل حزبي الرابطة الإيطالي وبريكست البريطاني، نالت معا قرابة 120 مقعدا في البرلمان القارّي.
أصبح اليمين الشعبوي المتطرّف في أوروبا، والغرب عموما، حقيقة اجتماعية وسياسية واقعة، حتى أن رئيس الدولة العظمى، دونالد ترامب، يردّد بعض الأفكار التي يصدح بها هذا اليمين بخصوص الهجرة واللاجئين والعلاقة بين الثقافات. ولم يكتف بالمواقف المعلنة، بل قرنها بإجراءاتٍ للتضييق على قدوم مواطني دول إسلامية إلى الولايات المتحدة، من دون أن يمنع ذلك من توطد علاقات إدارته مع دول إسلامية رئيسية. وبينما بات هذا اليمين يقترن باسم ترامب، إلا أن واقع الحال يفيد بأن زعيم دولة كبرى، هي روسيا الاتحادية، فلاديمير بوتين، يتصدر بدوره الزعامة الأيديولوجية والأبوة الروحية لليمين الشعبوي. وقبل أيام، نعى الليبرالية الغربية وقيمها، ونوّه بأهمية التيارات الشعبوية، موحياً ومتنبئاً بأن هذه التيارات هي البديل 
"اليمين الشعبوي المتطرّف في أوروبا، والغرب عموما، حقيقة اجتماعية وسياسية واقعة" لليبرالية. وقد جاء ذلك في تصريحاتٍ لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، بمناسبة قمة العشرين في أوساكا في اليابان، ذكر فيها أن "الفكرة الليبرالية استنفدت غرضها، وأصبحت المعارضة الشعبية للهجرة وفتح الحدود والتعدّد الثقافي والتسامح الاجتماعي واسعة للغاية". وهي عباراتٌ أكثر وضوحا من أقوال ترامب، أو زعامات أخرى، مثل رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، عن هذه المسائل. وتمثل تعضيداً صريحاً لطروحات اليمين القومي المتطرّف، وتماهياً تاماً معها. علماً أن سلوك موسكو، في العقد الأخير، ينبئ عن هذه التوجهات، وهو سلوكٌ كانت وما زالت تجري تغطيته بشعاراتٍ برّاقة، مثل الدعوة إلى نظام عالمي جديد، وتحبيذ التعدّدية القطبية، ومناوأة الهيمنة الأميركية.
هذا مع احتفاظ بوتين ووزيره للخارجية سيرغي لافروف، بكليشيهاتٍ مثل: شركاؤنا في الغرب. وقد خرج بوتين بتصريحاته هذه ليفنّد أي شراكةٍ مع الديمقراطيات الغربية في نعيه الليبرالية، وفي مناصرته الشعبوية المتطرّفة (حزب روسيا الموحدة الذي يقوده بوتين ينشئ علاقاتٍ مع بعض هذه التيارات، ومنها حزب الحرية في النمسا)، كما تنبئ تصريحاته هذه عن ماهية النظام الدولي الجديد الذي تطمح إليه موسكو، "نظام لا مكان فيه للتعدّد الثقافي، وللتسامح الاجتماعي"، وجوهره الإعلاء من الشأن القومي والرابط الديني، كما هو حال الإمبراطوريات القديمة، بما فيها القيصرية، مع استصغار شأن الدول الصغيرة والأقليات، ودعوتها إلى الالتحاق بمراكز هذا النظام، مثل موسكو وبكين (وهذه تنشئ طريق الحرير 
"خرج بوتين بتصريحات فنّد فيها أي شراكةٍ مع الديمقراطيات الغربية في نعيه الليبرالية، وفي مناصرته الشعبوية المتطرّفة" للسيطرة على الموانئ، وربط اقتصاديات عشرات الدول بها) وطهران. وهو ما يفسر السلوك الروسي تجاه دولٍ مثل جورجيا وأوكرانيا وسورية، وعداءه للربيع العربي، وتشجيع حكم العسكر في السودان والجزائر، وفي ليبيا إذا أمكن، بل وحتى تأييد الحكم في ميانمار في استئصال أقلية الروهينغا المسلمة.
وبينما تربط موسكو علاقاتٍ قوية ببرلين أساسها اقتصادي، إلا أن الرئيس بوتين يأخذ على المستشارة أنجيلا ميركل سياسة الهجرة التي اتبعتها. وفي رأيه أن المهاجرين قد يرتكبون جرائم قتل واغتصاب (تلوث صورة المجتمعات الآمنة). وعليه، يجب عدم استقبالهم! فمن يتشرّد من سورية، على سبيل المثال، تحت قصف البراميل المتفجرة، وقصف الصواريخ الروسية التي تستهدف الأحياء السكنية والأسواق والمراكز الطبية ومقرّات الدفاع المدني، .. هؤلاء يجب عدم استقبالهم كما فعلت المستشارة ميركل التي أخطأت، حسب بوتين، "خطأ جوهريا"، فالنظام الدولي الجديد لا مكان فيه للمهاجرين واللاجئين، مهما كانت الكوارث في بلدانهم، وتسبب تهجيرهم، وتشارك فيها روسيا. ويستحق التذكير هنا أن دعم اللاجئين ومساعدتهم على التغلب على ظروف اللجوء هو جزء من الميراث الإنساني في احتضان الضحايا، وبعض من أنشطة الأمم المتحدة، بل ومن أهدافها. وثمّة وكالة قائمة بذاتها، تتبع للأمم المتحدة باسم "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين"، أنشئت في العام 1950. وفي العام التالي، أقرّت المنظمة الدولية اتفاقية خاصة بوضع اللاجئ، هي الوثيقة القانونية الأساسية للمفوضية. وقد صادقت على الاتفاقية 145 دولة، وهي تحدّد مصطلح "اللاجئ"، وتوضح حقوق اللاجئين، إضافة إلى الالتزامات القانونية على عاتق الدول من أجل حمايتهم. وفي العام 1967، تم وضع بروتوكول خاص ينظم عمل المفوضية، والهدف دائماً هو حماية اللاجئين. وفي أواخر العام الماضي (17 ديسمبر/ كانون الأول 2018)، أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقاً جديداً بشأن اللاجئ، وهو "الميثاق العالمي بشأن اللاجئين". ويهدف إلى تحسين الاستجابة الدولية لحالات اللاجئين الجديدة والقائمة. ويسعى إلى ضمان حصول اللاجئين والأشخاص الذين يستضيفونهم على الدعم الذي يحتاجون إليه، كما يفيد موقع المفوضية الإلكتروني.
وهكذا، فإن حماية اللاجئين ليست اختراعا سنّته ميركل، وكل ما في الأمر أن المستشارة
"الرئيس الروسي في انتقاده سياسة ميركل، يوجّه سهام نقده للمجتمع الدولي الذي يلتزم بموجبات الضمير الإنساني" الألمانية التزمت بالقانون الدولي والإنساني، المستند إلى شرعة الأمم المتحدة، وحاولت بنجاح أن تشكل مصدر إلهام للدول والمجتمعات الأخرى، في استقبال اللاجئين المنكوبين، ورعايتهم. والرئيس الروسي في انتقاده سياسة ميركل، يوجّه سهام نقده للمجتمع الدولي الذي يلتزم بموجبات الضمير الإنساني. وهو يمضي على هذا الطريق، بالعمل على إنشاء نظام دولي جديد، لا محل فيه لقيم الليبرالية الغربية الشائعة على أوسع نطاق في العالم.
بهذا تتميز روسيا الجديدة حقاً وفعلاً بمناوأة أفضل ما في الغرب، من قيم ديمقراطية ومتحضرة، باتت قيماً كونية (تضم بعضها مواثيق الأم المتحدة) والافتراق عنها والحرب عليها (استغلال التقنيات الإلكترونية للتدخل في الانتخابات هنا وهناك)، والتماهي، في الوقت نفسه، مع أسوأ ما في تاريخ الغرب وحاضره، وهو نزعة الهيمنة والنفوذ، والتعصب القومي والديني لدى شرائح في بعض المجتمعات، مع التباهي بالصناعات العسكرية (وكما هو حال كوريا الشمالية وإيران) دون غيرها من الصناعات.. على الرغم من أن المعدّات العسكرية الروسية هي الأكثر عرضة للحوادث، كما في سقوطٍ متتالٍ لطائرات عسكرية وانفجار غواصتين نوويتين في البحار (إحداهما في 3 يوليو/ تموز الجاري)، وحوادث أخرى يصعب حصرها.