الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عندما قال الحريري: إن التغيير في سوريا سيلي التغيير في العراق

عندما قال الحريري: إن التغيير في سوريا سيلي التغيير في العراق

08.02.2020
منير الربيع


سوريا تي في
الخميس 6/2/2020
ترتبط السياسة في دول العالم الثالث، بأشخاص لا بمؤسسات. يُناط الدور بشخص ما، وبانتهائه ينتهي دوره. إنها لعبة شخصنة السياسة والدولة، كمعادلة "سوريا الأسد"، "بعث صدّام"، "الحريرية السياسية"، "العونية"، وغيرها من المعادلات التي تعمل دول على تكريسها وتعزيزها للدمج بين الكيانات الدولتية والأشخاص. وتنتج عن هذه المعادلة قاعدة أخرى، عنوانها "الرجال أدوار". لكل دولة زمن ورجال، فتتغير تركيبة الدول مع غياب هؤلاء الرجال، بمعزل عن فضائلهم أو رذائلهم. حين تنتهي أدوارهم، سيتغير شيء ما معهم. وهذا حتماً سيترك تأثيراته على إيران ودورها في المنطقة، بعد اغتيال قاسم سليماني، وهو الرجل الذي ارتبط اسمه ودوره ومشروعه بمشروع توسيع نفوذ إيران العسكري والأمني والسياسي في الدول العربية.
بسقوط صدام حسين تغيّر مشهد العراق، والذي شكّل مقدمة لتغير وجه المنطقة. فأسقط السدّ المنيع بوجه المشروع الإيراني، تغلغلت إيران في العراق، وأخذ الشيعة دوراً أساسياً في التركيبة السياسية، مع إسقاط النظام العراقي الذي كان يمثّل مندرجات
الدول التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى. وتوزّعت السلطات فيه على أساس طائفي ومذهبي وعرقي، بما يشبه فدرالية مقنّعة، أصبحت اليوم فدرالية جغرافية واقعية.
إثر الاجتياح الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣، تكوّنت نظرة سياسية خاطئة لدى جهات عربية واسعة بأن الدخول الأميركي سيعمل على الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية وتدعيم الخيارات الوطنية الديمقراطية، فيما المشروع كان مختلفاً ومغايراً كلياً، فعزز الشرذمة السياسية والاجتماعية، وكان السبيل إلى تكريس الانقسام الفلسطيني على طريق انهاء القضية وإشغال الفلسطينيين في مقاتلة بعضهم البعض. حينها كان البعض في لبنان يترقّب ألا يتوقف الاجتياح الأميركي عند حدود العراق، إنما سيصل إلى الشام، وينتهي بإسقاط نظام الأسد.
تكونت حينها نظرة لبنانية بالتحديد، بأنه طالما عمل الأميركيون على دعم الشيعة في العراق للوصول إلى الحكم وتسلًم السلطة بعد سنوات من الغبن والإجحاف، فإن الأمر نفسه سينطبق على سوريا بإزاحة رأس النظام "العلوي" مقابل حصول السنّة على حقوقهم السياسية والسيطرة على الحكم، ضمن معادلة الأكثرية والأقلية. حينها كان القلق يساور النظام السوري، من هذا الاحتمال، وحتّى حزب الله في لبنان تخوّف من أن يطاله المشروع، فينقطع خط إمداده في سوريا. ذهب رفيق الحريري إلى حزب الله لطمأنته ببناء مشروع لبناني مشترك، يقوّي الدولة، ويدفع الحزب إلى الانخراط فيها سياسياً وعسكرياً واقتصاديا بما يشكّل ضمانة له ولمشروعه.
ويُروى أنه ذات مرّة، قال الحريري في جلساته الطويلة مع أمين عام حزب الله حسن نصر الله قبل أشهر قليلة من اغتياله، بأن المسار الدولي واضح الاتجاه، وكما سيطر الشيعة على الحكم في العراق بعد إسقاط صدام حسين، فسيكون هناك مشروع
باغتيال الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان، توقف مشروع إسقاط النظام السوري أو هذا المشروع الذي كان يتخيله البعض
لإسقاط بشار الأسد، مقابل تعزيز الوضعية السياسية للسنّة في تركيبة سياسية جديدة، ودعا الحريري نصر الله إلى الانخراط في الدولة أكثر، لتوفير الضمانة والحماية له. وهنا يُقال إن هذه الفكرة أو الجملة هي التي حتّمت إصدار القرار باغتيال رفيق الحريري.
باغتيال الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان، توقف مشروع إسقاط النظام السوري أو هذا المشروع الذي كان يتخيله البعض، وانحسر بتنفيذ جزء واحد من القرار 1559، المتعلق بخروج القوات السورية من لبنان، من دون الاقتراب من سلاح حزب الله، فيما عمل الحزب على الانقضاض على السلطة والاستعاضة عن الوصاية السورية، بسيطرته المطلقة على لبنان. وشرعن حزب الله قوته وحضوره العسكري والسياسي في حرب تموز 2006، بحيث لم يعد من الوارد لدى أي طرف لطرح مسألة سلاح الحزب ونزعه او تسليمه، وإلا سيجابه بتهمة التخوين.
طبعاً كان قاسم سليماني، هو مهندس هذه العمليات السياسية والعسكرية. وأحد أبرز مهندسي مشروع الشرق الأوسط الجديد، المتشظي والغارق في حروب ودماء كثيرة بين مكونات اجتماعية كانت متلاحمة وطنياً، وأصبحت متصارعة مذهبياً وطائفياً وسياسياً. اقتضى المشروع 15 سنة، بين اغتيال رفيق الحريري، واغتيال قاسم سليماني. شهدت خلالها المنطقة العربية، حروباً كثيرة، ودماراً يعيد رسم خرائط سياسية وجغرافية جديدة.
كان أول نتاجاتها، زيارة فلاديمير بوتين إلى سوريا، بعيد اغتيال سليماني بساعات، بشكل لا ينفصل عن إعادة تموضع القوات الإيرانية على الجغرافيا السورية، ربطاً بمشروع أميركي روسي أوسع في المنطقة، يعيد تكوينها بعد مئة سنة على اتفاقية سايكس بيكو، باتفاقية أميركية روسية، تستعيض فيها واشنطن وموسكو أدوار باريس ولندن. لم يكن اغتيال سليماني محض صدفة، سيليه الكثير من الخراب والدمار، بالتزامن مع صدامات كثيرة على طريق "صفقة القرن" ريثما ترسو المنطقة على تشكّل جديد للسياسة فيها، ولمعادلاتها. اغتيال سليماني يعني اغتيال دوره، أو طي صفحة الدور الذي اضطلع به، لصالح حقبة جديدة، ستبدأ ملامحها بالظهور مستقبلاً، وربما محطتها الأساسية والمفصلية ستكون في الانتخابات السورية في العام 2021، وما هو محتوم، أن الأسد فيها تحول إلى تفصيل، سواء بقي أم غادر، لأن شكل وتركيبة النظام السياسي لسوريا، ستكون مختلفة عما كانت عليه طوال أكثر من أربعين سنة.