الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إعادة رسم قواعد اللعبة في إدلب

إعادة رسم قواعد اللعبة في إدلب

05.02.2020
علي حسين باكير



سوريا تي في
الثلاثاء 4/2/2020
في وقت مبكّر من فجر الأمس، قامت قوات النظام بقصف نقطة مراقبة تركية في إدلب (محيط بلدة سراقب) ما أدى الى مقتل 6 أتراك (٥ جنود ومدني) وجرح 7 آخرين. الرد التركي جاء سريعاً، إذ أمطر سلاح المدفعية والهاون مواقع لنظام الأسد بمئات الضربات أدت لـ تحييد 76  عنصراً من النظام. وكشف الرئيس التركي أنّ مقاتلات (إف-16) تركيّة شاركت كذلك في الهجوم ردّاً على الاعتداءات التي وقعت، فيما أكّد متحدّث باسم وزارة الدفاع التركية أنّ أنقرة ستستخدم حق الدفاع المشروع عن النفس حال تعرّضها لأمر مماثل أيضاً.
وبالرغم من أنّ وزارة الدفاع التركية كانت قد أوضحت بشكل قاطع في 29 من كانون الثاني، بأنّ أنقرة سترد دون تردّد على أي محاولة تهديد لنقاط المراقبة التركية في المنطقة"، إلاّ أنّ نظام الأسد قرّر استهداف نقطة تابعة للجيش التركي قرب سراقب. هذا يعني أنّ القصف جاء إمّا بنيّة اختبار مدى جدّية الموقف التركي وإلى أي مدى من الممكن لأنقرة أن تذهب في هذا الاتجاه، وإمّا لردع أنقرة وتحذيرها من أنّ دعمها للعمل العسكري للمعارضة المسلّحة لن يمر دون ثمن.
هذا التصعيد العسكري غير المسبوق بين تركيا ونظام الأسد جاء بُعيد الهجوم المضاد الذي شنّته المعارضة السورية المسلّحة متمثلة ب“الجبهة الوطنية للتحرير”، التابعة للجيش السوري الحر في ريفي حلب وإدلب ونجم عنه استعادة قريتين تقدمت إليها قوات الأسد بدعم روسي، ومقتل 70 عنصراً من قوات النظام. فُهم الهجوم على ما يبدو أنّه جاء بضوء أخضر تركي بعد تجاهل دمشق وموسكو التحذيرات التركية مؤخراً بشأن خرق نظام الأسد لوقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 12 من كانون الثاني متسبباً بقتل المزيد من المدنيين الأبرياء وبموجات نزوح كبيرة.
لطالما تحجّجت موسكو بأنّ أنقرة لم تُنفّذ كل التزاماتها المتعلقة بفصل المعارضة المعتدلة عن المسلّحة في إدلب، وأنّه لهذا السبب بالتحديد فإنّ النظام يمتلك الحق بمهاجمة ما يعتبر "إرهابا". من وجهة نظر تركيا، فإنّ تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى عمل دقيق لكي لا يؤدي إلى وقوع عدد كبير من المدنيين وإلى موجات نزوح وتعقيدات إضافية، لكن في المقابل، فإنّ النظام السوري لم ينفّذ أيَّ شيء من الاتفاق الذي تم لا بخصوص الوضع على الأرض ولا بخصوص المسار السياسي، ولذلك فانّ تحجّج موسكو بهذه الذريعة أمر غير مبرر.
الوضع الحالي غير قابل للاستمرار. هناك حاجة إلى إعادة رسم قواعد اللعبة بين روسيا وتركيا لتحقيق التوازن المطلوب الذي من شأنه أن يدفع باتجاه تحقيق تقدّم حقيقي في الملف السوري
من الواضح أنّ النظام مستمر باتباع سياسة القضم والهضم بدعم من روسيا منذ مدة غير قصيرة. وإن حاولت الأخيرة التنصّل من هذا الموضوع، إلا أنّه بالنسبة للجانب التركي على الأقل، من غير الممكن لنظام الأسد أن يقرر ذلك من تلقاء نفسه. ماذا تريد موسكو من هذا التصعيد؟ لا تخفي روسي رغبتها في أن يسيطر نظام الأسد على كامل الأراضي السورية، وهي ربما ترى الآن في انشغال تركيا في عدد من الساحات الإقليمية فرصة مناسبة ربما لتسريع وتيرة ضم المزيد من الأراضي وتحسين موقع نظام الأسد.
وبالرغم من أنّ هناك اختلافات دائمة بين الطرفين التركي والروسي حول كيفية تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه والمضي قدما إلى الأمام في الملف السوري، إلاّ أنّهما كانا يعملان دوماً على تجسير الهوّة بينهما في مثل هذه الحالات. لكن وبخلاف ما تمّ ذكره، فإنّ الخلاف الحاصل الآن في سوريا يبدو وكأنه الأكبر منذ أن اتفق الطرفان على العمل سوياً في سوريا منذ سنوات.
بخرقها خط تركيا الأحمر الأخير، كان لا بد من رد فعل للقول بأنّ المعادلة الحالية لا تستقيم وأنّ الاستمرار بها سيؤدي إلى انهيار شامل في سوريا، وإلى اندثار الاتفاقات التي عمل عليها الطرفان (أي تركيا وروسيا) للتوصّل إلى تسوية في الملف السوري. قد يكون باستطاعة الأسد حينها السيطرة على المزيد من الأراضي، لكنّ ذلك سيؤدي بالتأكيد إلى انهيار المسار السياسي وإلى عدم عودة اللاجئين وإلى مقاطعة عملية إعادة الإعمار والى تفاقم الوضع الميداني وإطالة أمد الأزمة السورية، ولن يكون ذلك بصالح موسكو بالتأكيد.
الوضع الحالي غير قابل للاستمرار. هناك حاجة إلى إعادة رسم قواعد اللعبة بين روسيا وتركيا لتحقيق التوازن المطلوب الذي من شأنه أن يدفع باتجاه تحقيق تقدّم حقيقي في الملف السوري. السؤال الذي سيطرح نفسه خلال المرحلة القادمة، هل روسيا مستعدة لذلك؟ وإذا ما رفضت، هل تركيا مستعدة للمواجهة حتى النهاية؟ وما هو موقف كل من أمريكا وأوروبا في هذه المعادلة؟ هل ستتدخل لدعم الموقف التركي أم ستبقى تشاهد مجدداً استلام روسيا وإيران لزمام المبادرة في سوريا؟