الرئيسة \  تقارير  \  سوريا على أبواب العام الثالث عشر!

سوريا على أبواب العام الثالث عشر!

23.03.2023
فايز سارة

سوريا على أبواب العام الثالث عشر!
فايز سارة
الشرق الاوسط
الأربعاء 22/3/2023
انتهى قبل أيام العام الثاني عشر من ثورة السوريين على نظام الأسد، وهي سنوات حملت كثيراً من المآسي والتجارب المرّة، ليس على السوريين وحدهم، إنما على جوارهم العربي والإسلامي، وأصاب بعضها دولاً وشعوباً أخرى في عالما الذي صار قرية صغيرة، تتأثر جهاتها الأربع بما يحدث في بعض جنباتها.
ولعل الأبرز في خلاصات تجربة الاثني عشر عاماً السورية الماضية، أن العالم ورغم كل الشعارات والأهداف المعلنة بالسير نحو مجتمع إنساني خالٍ من الحروب والصراعات والفقر واستخدام الأسلحة المحرمة، ما زال عاجزاً عن الوفاء لما رفعه من شعارات، وأقل قدرة في السير على طريق الأهداف التي أعلنها، بل إن القوى الفاعلة والمؤثرة فيه، والتي ينبغي أن تكون مثالاً في التعامل الإيجابي مع الشعارات والعمل على تحقيق الأهداف، تتلاعب بالشعارات والأهداف، وتتجاوزها غالباً إلى سياسات تخدم ما يناقضها؛ مما أثر سلباً على دورها العالمي في دفع الدول الأخرى على المسار الصحيح، وتجاوزت هذا إلى انخراط في صراعات محلية، عجزت قواه عن حل مشاكلها، فانتقلت المشاكل لتصير جزء من مشاكل الدول الكبرى وهذا ما حدث في القضية السورية.
والخلاصة الثانية للسنوات الاثنتي عشرة، تكمن في الفواتير التي خلّفها الصراع في سوريا وحولها. ورغم أن الخسائر البشرية تظل هي الأهم في جدول الخسائر، حيث أصابت الصراعات أغلب السوريين، وقد لا يكون هناك عائلة سورية، إلا وقُتل أو جُرح أو اختفى شخص منها، باستثناء عمليات الهجرة والتهجير والترحيل التي أصابت بصورة مباشرة أكثر من نصف السكان المقدّر عددهم بخمسة وعشرين مليوناً، بينما تبدو الخسائر المادية أصعب من أن يتم حصرها، وتقدّر كلفة إعادة إعمار سوريا بما يقارب مبلغ تسعمائة مليار دولار أميركي، وتمتد فاتورة الصراع السوري بشرياً ومادياً إلى المحيطين الإقليمي والدولي، ليس بسبب انغماس دول وجماعات مسلحة تتبعها في الصراع فقط، بل أيضاً بسبب التداعيات غير المباشرة للصراع على الدول والشعوب الأخرى، وإذا كانت إيران والميليشيات التابعة لها أبرز الأطراف الخارجية الذين أصابهم الصراع بخسائر بشرية، فإن الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة، أصابت عشرات الدول وفي مقدمتها دول الجوار السوري من تركيا، ولبنان، والأردن، وبلدان الخليج العربية وروسيا.
الأهم في الخلاصات، أن الصراع في سوريا وحولها، مستمر رغم كل ضرورات الخروج منه وحله، ووصول قواه المحلية وحواضنها إلى مستوى الإنهاك الكامل، لكن الكارثة، لا تشكل دوافع للأطراف الفاعلة والمتدخلة في الصراع للذهاب إلى حل رغم كل ما تقوله وتؤكده حول رغبتها ومساعيها للحل، ورغم توافقها على إطار حل سياسي، رسم مساره القرار الدولي 2254 وملحقاته، وإن اختلفت على بعض تفسيراته.
وسط الصورة المأساوية لخلاصات الاثنتي عشرة الماضية في سوريا، يظهر سؤال حول ما يمكن أن يكون عليه حال العام الثالث عشر من الصراع السوري؟ وما هي الاحتمالات الممكنة المحيطة بالقضية السورية، وكيف ينبغي التعامل معها؟
وتتطلب الإجابة عن الأسئلة المطروحة وما يماثلها، وقفة عند تطورات قاربت القضية السورية في الأشهر القليلة الماضية، أو كانت تتصل بها بصورة غير مباشرة، والأهم في هذه التطورات حدثان، أولهما توجه تركيا نحو تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، والآخر المصالحة السعودية - الإيرانية، ولا تكمن أهمية الحدثين بمضمونهما الأولي فقط، بل بالرعاية التي تحيط بهما، حيث ترعى روسيا الأول، وتتولى الصين الآخر، ولم تعارض الولايات المتحدة أياً منهما، وثمة تمرير أوروبي عام لهما، يمكن فهمه بمثابة تأييد.
ورغم أن الأهم في الحدثين بعداهما الإقليمي - الدولي، فإن تأثيرهما على القضية السورية حاضر ومؤكد بحكم علاقة أطرافهما بالملف السوري، حيث إيران وروسيا قوة إسناد نظام الأسد الأساسية وتدعمهما الصين، وتركيا طرف متدخل وحاضر في الصراع السوري على أكثر من صعيد، وثمة وجود عسكري وثقل سياسي في سوريا لكل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وأهمها علاقة واشنطن مع “قوات سوريا الديمقراطية”، ثم تشارك المجموعة في التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، في حين تشكل المملكة العربية السعودية القوة المؤثرة للعالم العربي، والتي تتوافق حول دورها في الخليج وفي الملف السوري الأغلبية العربية، إن لم نقل كلها.
ومما لا شك فيه، أن الحدثين حرّكا البيئة الساكنة التي صار إليها الملف السوري بحيث إن كل طرف له صلة بالملف، صار عليه أن يراجع مجمل سياساته ومواقف الأطراف المختلفة في الموضوع السوري، وأن يعيد ترتيب وضعه في ضوء التطورات الجديدة واحتمالاتها، وأعتقد أن توافقات جديدة ومهمة، ستظهر على هامش الملف السوري، قد تؤدي إلى أفق جديد يكسر حدود ممانعة النظام وحلفائه مسار الحل السياسي.
غير أن الوصول إلى هذا المستوى بين أطراف التوافقات الإقليمية والدولية، سيكون في حاجة إلى حضور سوري، وهو أمر معقّد في الواقع الراهن؛ لأن طرفين السوريين، يمثلهما النظام من جهة والمعارضة في الجهة الأخرى، خارج أي فاعلية سياسية، الأول لأنه لا يملك قراراً بالتوجه نحو حل سياسي، وله روابط وثيقة تشده إلى طهران وموسكو، وتمنعه من قرار خارج إرادتهما، والطرف الآخر الذي تمثله المعارضة بأطرافها السياسية والعسكرية مرتبط بالإرادة التركية، وخاضع إلى توجيهاتها، وبسبب ارتباطه وضعفه وهامشية علاقاته مع السوريين، فإنه غير قادر على تفاعل إيجابي مستقل مع وقائع قائمة، ولا مع المستجدات المحتملة للملف السوري وحوله.
وقريباً من حالتي النظام والمعارضة، فإن الأوضاع في مناطق شرق الفرات الخاضعة لسلطة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) تقارب بدرجة ما واقع الحال في مناطق المعارضة، وفي مناطق الحكومة السورية. إذ هي محكومة بتوجهات آيديولوجية سياسية، لا تحيد عنها، إضافة إلى روابطها مع السياسية الأميركية، ويؤكد واقع الحال عند الأطراف الثلاثة، أنه دون تغييرات في مواقف تلك الأطراف ومواقف القوى الإقليمية والدولية، ودون تدخل مباشر من الأخيرة لدى الأولى، فإنه لا يمكن إنجاز أي تقدم نحو حل سياسي سوري.
وسط الصورة البائسة في الواقع السوري، وفي ضوء ما يجري من تحركات إقليمية ودولية، تتبلور ملامح الانشغالات السورية على أبواب العام الثالث عشر، وأساسها السعي ليكون عاماً مختلفاً عما سبق، يدفع القضية نحو الحل، أو يضعها على الأقل في اتجاه حل من خلال تفاعل إيجابي، يبدل أشكال تعاملهم مع التوجهات والأحداث الجارية، لا يتجاوز هدف السوريين في الذهاب إلى نظام ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.
ومن المؤكد، أن تحقيق ما تقدم، يتطلب نهوض النخبة السورية، وتجاوز تجاذبات الانقسامات الحالية، والعمل من أجل خلق تعبيرات سياسية جديدة فاعلة ومؤثرة، وتجديد توافقات واضحة وعملية، تحظى بدعم شعبي، وتكون محط اهتمام قوى التوافقات الإقليمية والدولية؛ الأمر الذي سيعزز الحضور السوري ومشاركته في عملية البحث في مستقبل سوريا.