الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سجِّل أنا سوري..

سجِّل أنا سوري..

07.10.2019
إيمان محمد


سوريا تي في
الاحد 6/10/2019
باتت الأخبار اليومية فيما يتعلق بالسوريين لا تنقل سوى الكوارث والمحن والمصائب، نفتح أعيننا على مشاهد مروعة، محاولين عبثاً إغلاقها بطمأنينة، ليصعقنا خبر آخر أشد قساوة وألماً مما فوجئنا به صباحاً، ليترسخ في عقولنا أن الكوارث تعشقنا، وبأننا متحالفون مع المحن، وبأننا نكون حيث تكون المصائب، تلك أفكار عابرة تراودنا عندما لا نجد تفسيراً لوحشية العالم الذي نحيا به، وتنكره لمأساتنا، يحدث أن نتخيل أموراً غير منطقية لنقنع أنفسنا أن العالم أقل بؤساً مما نعتقد، وبأن كل شيء سيكون على ما يرام، فقط ننتظر عداد الزمن ليمضي معه كل شيء، لكن لا شيء من ذلك يمضي، وإن أمسينا بغصص الفقد وأخبار التشرد والضّياع فإننا نصبح على أخبار مفجعة كخبر انتحار الطفل السوري أمس في تركيا بسبب تنمر معلمه وزملائه عليه والتهمة سوريّته.
أتساءل هل قرأ المعلم شيئاً عن تاريخ سوريا؟ وهل علم أن هذا الطفل نتاج أرض تاريخها وحضارتها تعود إلى أكثر من 8000 سنة قبل الميلاد؟ وهل اطلع ولو قليلاً عن منبع الأبجدية واللغات ومهد الأنبياء الذين خرجوا بإرث حضاري عظيم للعالم كله؟ لينشروا النور، ويغيروا واقع الأرض المليئة بالظلم والبطش والخوف، وهل سمع عن أرض استقبلت كل اللاجئين من أرض الجوار بترحاب؟ فكانت أرضاً للفلسطيني والعراقي واللبناني وكل قاصد، لم تنبذ أحداً، بل فتحت ذراعيها لكل قاصد، حتى اطمأن فيها من اطمأن، واستقر فيها من استقر، وحتى التأمت الجراح وباتت المأساة ذكرى، تلك هي سوريا التي انحدر منها طفل كل ما أراده من هذه الدنيا أماناً وسكينة تحتويه بعد حالة الشتات.
وإن أمسينا بغصص الفقد وأخبار التشرد والضّياع فإننا نصبح على أخبار مفجعة كخبر انتحار الطفل السوري في تركيا بسبب تنمر معلمه وزملائه عليه والتهمة سوريّته
هل علم المعلّم الذي أرهق قلب طفل بذنب لم يقترفه، أنه قادم من أرض ثورة؟ وبأن الهجرة حالة لم يخترها عن رضا بل عن اضطرار وإرغام؟ وبأنه قَدِمَ من أرض امتلأت بقبور الشهداء ما بين أطفال ونساء وشيوخ قُتلوا لأنهم طلبوا الحرية والكرامة ورفضوا المذلّة؟ وبأن الدماء في تلك الأرض لم تجف؟ وبأن له أقراناً في السجون، أطفالاً تكبّل أيديهم الأغلال، تضيع سنوات طفولتهم وسط الظلام وصمت العالم؟! وبأن هذا مصير كل من رفض الظلم؟ ولذلك هو في وطنٍ ليس وطنه، معه وصمة لاجئ، وتهمة سوري، وعار الكرامة، وبئس الحياة التي تعتبر فيها الكرامة وطلبها تهمة تستدعي الخجل.
لقد تنقل أهل ذلك الطفل كثيراً بحثاً عن عمل، رفضوا بأن يكونوا عالة، وآمنوا أن الكرامة في العمل، وتمنوا لابنهم النجاح والتفوق تحدياً لمرارة الواقع وإصراراً على الحياة، علموا أن العلم بوابة للنجاة من قُبح العالم، ولم يتوقعوا أبداً أن القبح والأذى سيتولد من مدرسة ومعلمين ورِفاق سيعيرونه لأنه سوري، وبأنه سيخجل يوماً لأنه سوري، وسيتردد إلى مقبرة ليفكر كيف ينجو من هذه الحياة، فلعله لاحظ أن أهل القبور أكثر راحة من سواهم، ولتنتهي حياته عند بوابة المقبرة، وكأنه يقول: لا تتكبدوا عناء نقلي إلى هناك، أعرف طريقي جيداً، هذه البقعة هي الوطن الأخير الذي يمكن ألا أعيّر به أو أشعر بالمهانة بسبب انتمائي إليه.
من واجبنا جميعاً أن نستعيد ثقتنا بأنفسنا، ونعيد ثقة أبنائنا بهويتهم وأرضهم ووطنهم ولغتهم، وأن نحدثهم كثيراً عن مواطن تدفع للفخر والاعتزاز
ربما كان من الواجب الإنساني والأخلاقي والديني احترام أي طفل أياً كان انتماؤه وحالته وجنسيته، ومعاملته بتقديم كرامته وحقوقه وتقبله أكثر بسبب مأساته، لكن هناك واجب أكبر على كل سوري، أن يعمل ليستعيد احترام أرضه وشعبه التي حولها النظام إلى غابة ومستنقع، وحوّل الجنسية السورية إلى محط ازدراء الآخر.
من واجبنا جميعاً أن نستعيد ثقتنا بأنفسنا، ونعيد ثقة أبنائنا بهويتهم وأرضهم ووطنهم ولغتهم، وأن نحدثهم كثيراً عن مواطن تدفع للفخر والاعتزاز، وفي نفس الوقت علينا أن نصنع لهم نماذج مشرقة تتجسد في مشاريع ومؤسسات وأعمال ناجحة في كل المجالات، ونشاركهم فيها بالعمل أو العلم أو الحوار حولها وإبداء الرأي، لقد بات الأمل وغرسه في نفوس الجيل واجباً ضرورياً وأولوية مطلوبة، لأننا نرى فيهم مستقبلنا القادم، ولأننا نعوّل عليهم كثيراً، لا بد أن نعيد إليهم الثقة بأن نغدو أقوى، حتى لا ينتحر على أيدينا المستقبل.