الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لبنان على مشارف “الانتشار السريع” وسوريا “صندوق أسود”

لبنان على مشارف “الانتشار السريع” وسوريا “صندوق أسود”

23.03.2020
رلى موفّق



القدس العربي
الاحد 22/3/2020
لم يسبق أن كان “الكوكب” بأسره، كبيره وصغيره، في حرب وهمية وبلا هوادة، مع عدو زاحف كاسر، ومتوحش، يُردي في طلائع معاركه مئات الآلاف، والمرشحة لبلوغ الملايين، من الإصابات، وآلاف الوفيات التي تجعل العالم وكأنه مقبرة مفتوحة في انتظار “لقاح” يُنقذ البشرية من الشر المستطير.
لبنان القابع في إحدى زوايا هذا العالم، الذي يُطفئ محركاته تباعاً، يُواجه بـ”اللحم الحيّ” الوباء الآخذ بالانتشار. ومع هبوط ظلام كل يوم تتسمّر العيون على “النشرة الرسمية” التي تحوّلت عداداً للارتفاع المطرد في نسبة الإصابات وما تنطوي عليه من خطر موتِ من افترسهم الفيروس القاتل. والعدد المعلن يُلامس 190 إصابة و4 وفيات و5 حالات شفاء، لكن العبرة في ما هو غير مُعلن!.
ولأن لبنان يُشبه “الاستثناء” في تاريخه الذي يُطفئ شمعة المئة عام، وفي جغرافيته المحكومة بجوار تراوده دائماً فكرة “مدّ اليد عليه” وواقعه السياسي الذي لم يسترح يوماً من “مآزق مصيرية” ها هو اليوم يواجه “الكورونا” وحيداً، متروكاً، بلا سند ولا معين، لأسباب معقدة ترتبط بتموضعه الإقليمي.
ففي “زمن الكورونا” الذي أملى على الإدارة الرسمية للبلاد إعلان حال التعبئة العامة (أقل من حال الطوارئ) وإقفال المطار والمعابر البرية والموانئ البحرية تتزايد المخاوف في بيروت من أن تُفسد السياسة عدّة المواجهة مع الوباء الذي تقهقرت أمامه دول “العالم الأول” وتئن أوروبا وقبلها الصين وبعدها الولايات المتحدة من ضراوته القاتلة.
فرغم المحاولات الحثيثة الجارية في لبنان لـ”إبطاء” تفشي “كورونا” بعدما خرج من مرحلة الاحتواء إلى الانتشار، ثم بدأ بالخروج عن السيطرة، فإن المتابعين على طريقة “الترصد السياسي-الصحي” لإجراءات الحكومة سجّلوا مجموعة من الإخفاقات التي جعلت خطوات المواجهة متأخرة، استلحاقية وقاصرة.
 ففي الملاحظات أن الاكتفاء بالإعلان عن حال “التعبئة العامة” سنداً إلى قانون الدفاع جاء إجراءً هشاً لم يرقَ إلى مستوى إعلان حال الطوارئ، ما حال دون منع التجوّل وأربك القوى العسكرية والأمنية التي اقتصر دورها على منع التجمعات. والاقتناع السائد أن تفادي الإعلان عن حال الطوارئ يعود لأسباب سياسية-أمنية كون إجراء من هذا النوع يُعلي سلطة الجيش اللبناني، الأمر الذي تجنّبته السلطة السياسية وتفاداه “حزب الله” الذي يريد الحفاظ على حرية حركته. لكن إجراءات “التعبئة العامة” أظهرت-بعد اختبارها-أنها قاصرة، بدليل اضطرار السلطات السياسية لمعاودة مناشدتها الناس للبقاء في منازلهم، وتعاظم المخاوف من “تسرّب” حالات اختلاط تُطيح بأي إجراءات وقائية، وتزيد احتمالات اللجوء إلى “منع التجوّل” بشكل صريح أو عزل مناطق بأمها وأبيها.
وواقعاً، بدت الدوافع السياسية لتجنب إعلان حال الطوارئ، مشابهة للتردّد الذي حكم سلوك السلطة حين أبدت “ممانعة” في وقف الرحلات من الدول الموبوءة وإليها تفادياً لوقف خط طهران-بيروت مما سمح تالياً بإبقاء خط روما-بيروت مفتوحاً حتى “الخمس دقائق الأخيرة” من قرار وقف الملاحة في مطار رفيق الحريري الدولي وقفل المعابر البرية والبحرية، فيما تتزايد الشكوك حول الشفافية التي تمارسها السلطة المعنية حيال تتبّع حركة الوافدين من الدول الموبوءة، مما شكّل “قنبلة موقوتة” بدأت تتطاير شظاياها إلى حد تسجيل إصابات “وباء محلي” نتيجة الاختلاط. فالتراخي منذ البداية، ولأسباب ربما أمنية وطائفية-مذهبية، جعل مسألة “الحجر الذاتي” بلا طائل بدليل الانتشار المفاجئ في أكثر من منطقة للفيروس “المستورَد”.
وما يزيد من منسوب المخاوف، حالة التعتيم والتكتّم في بعض المناطق المحسوبة على نفوذ “حزب الله”، وهو ما انفجر سجالات إعلامية تسببت بدعاوى قضائية ضد نشطاء مدنيين وإعلاميين تحدثوا عن “حقائق مخفية” ومخيفة على مؤسسات صحية تابعة لـ”الحزب” كمستشفى “الرسول الأعظم” إضافة إلى إقامته لمراكز حجر صحي لعناصره الآتين من إيران في سوريا قبل مجيئهم إلى لبنان، وما شابه من معطيات ملتبسة فاقمت من القلق.
ولم يكن عابراً أن وزير الصحة حمد حسن، المحسوب على “حزب الله” انتقل في توصيفه للواقع الخطير من القول “لا داعي للهلع” إلى القول “انتهى الدلع” كتعبير عن أن الفيروس القاتل خرج من الحظيرة ولم يعد في الإمكان إلا السعي لـ”إبطاء” انتشاره.
المشكلة أن ثمن التباطؤ الحكومي في اتخاذ الإجراءات لملاقاة الوباء الذي وصفته منظمة الصحة العالمية بـ”عدو البشرية” سيكون باهظاً، وليس أقل من انهيار الجهاز الصحي اللبناني، استناداً إلى توقعات بـ”انفجار كوروني” على غرار ما يحدث في دول أخرى.
وتتجلى مظاهر التباطؤ بالتأخر في تجهيز المستشفيات الحكومية (8 مستشفيات في المناطق) في الوقت الذي كان المستشفى الوحيد (مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت) يقترب من بلوغ قدرته الاستيعابية، وبتردّد المستشفيات الخاصة، في بادئ الأمر، في الانضمام إلى جهود مواجهة فيروس كورونا، قبل أن تلتحق أربعة منها أخيراً إلى الخطة الوطنية عبر إجراء الفحوص وتخصيص كل واحد منها أقل من 20 غرفة للعلاج.
ويكمن القلق في أن القطاع الصحي اللبناني برمته، الحكومي والخاص، لا يمكنه تأمين أكثر من 12 ألف غرفة كحد أقصى، مما يجعله عرضه للانهيار، في حال تفشي الكورونا بطريقة دراماتيكية وعلى النحو الذي تشهده بعض دول العالم، وسط اقتصار المساعدات على معونات محدودة من الصين وفرنسا وغياب لرعاة لبنان التاريخيين، أي المجتمعَين العربي والدولي، إذ بدا متروكاً بعدما كان قرر الافتراق والارتماء في حضن المشروع الإقليمي المناوئ للشرعيتين العربية والدولية، وسيتم الاعتماد على قرض البنك الدولي البالغ 40 مليون دولار، وعلى مصادر تمويل داخلية، ستكون خجولة إزاء الأزمة، في حال انفلاتها.
والمسألة الأكثر إثارة وخطراً في سلوك الائتلاف الحاكم في لبنان وإجراءاته، برزت في إدارة الظهر لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين بذريعة أنها من مسؤولية المنظمات الدولية المعنية، والاكتفاء بِحثّ تلك المنظمات على الاهتمام بأكثر من مليون ونصف مليون نسمة يقيمون على الأراضي اللبنانية، ويُشكل خطر تسلل “الكورونا” إلى مخيماتهم زلزالاً إنسانياً تطاول حممه اللبنانيين، ومُحَفِّزاً على إظهار النَفَسِ العنصري لدى شرائح واسعة من اللبنانيين تجاه اللاجئين.
فالإجراءات التي اتُخذت في إطار التعبئة العامة في البلاد لم تلحظ خططاً عملية في شأن مخيمات اللاجئين المنتشرة في الجهات اللبنانية الأربع، خصوصاً أن المعابر البرية مع سوريا، الشرعية وغير الشرعية، كانت مشرّعة حتى اللحظة الأخيرة قبل إعلان حال التعبئة العامة، في حين توقعت منظمة الصحة العالمية انفجاراً للوباء المميت في سوريا التي تعيش حالة إنكار.
ففيما الميليشيات الإيرانية تصول وتجول بالآلاف في سوريا، وفيما الحملات الدينية الإيرانية متواصلة إلى “مزار السيدة زينب” في دمشق، يقول النظام السوري أن لا إصابات لديه، ويُدرج قراره بإغلاق المدارس والجامعات أولاً، ومن ثم المطاعم وصالات الرياضة وأماكن التجمع الأخرى، ضمن الإجراءات الوقائية، فيما الاعتقاد السائد هو أن النظام، الذي يفتقد إلى الشفافية، يتكتّم على الحقائق التي ربما تكون مُرعبة في بلاد تُعاني انهياراً للسلطة المركزية وأزمات في مختلف الميادين، ولا يمكن التعامل مع واقع البلاد إلا بوصفها صندوقاً أسود.
ويكفي التمعّن في لغة وزير الصحة السوري نزار يازجي، الذي اعتبر أن “الجيش السوري طهَّر سوريا من العديد من الجراثيم ولا توجد حالة من الفيروسات التاجية في الوقت الراهن” قاصداً بذلك المعارضين لنظام بشار الأسد، لتوقع الحال الذي ستكون عليه مناطق نفوذه، وخصوصاً تلك التي استعاد السيطرة عليها، والتي كانت انتفضت في وجهه ويعيش أهلها ثانية تحت نير الخوف والقهر والعوز، واليوم “الفيروس” الفتّاك.