الرئيسة \  واحة اللقاء  \  فلسطين في مزادات الأسد

فلسطين في مزادات الأسد

26.07.2014
أمل عبد العزيز الهزاني



الشرق الاوسط
الخميس 22/7/2014
أثار بشار الأسد الموضوع الفلسطيني في كلمته التي ألقاها بمناسبة فوزه في مسرحيته الانتخابية. وكالعادة فالكلمة المطولة تستهدف قول سطرين، وكان هذان السطران يتناولان هذه المرة طعنا في الموقف السعودي من القضية الفلسطينية منذ عام 1915، أي ما قبل توحيد المملكة، وحتى وقتنا المعاصر.
كلام الأسد نسجه فريق هزيل في الفبركات التاريخية، لو كان لي أن أنصحه لنصحته بالاستعانة بالروس لفبركة أكثر حبكة، مثلما استعان بهم ليبقوا على نظامه حتى اليوم. الحديث المكذوب يؤكد أن السعودية لاعب مؤثر على الساحة السورية منذ بدأت الثورة في مارس (آذار) 2011 للحد الذي أزعج النظام. والعودة إلى التاريخ أثارها عند الأسد الفضيحة التي أطلقها قبل عامين وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في اجتماع لمجلس الأمن، ردا على المندوب السوري بشار الجعفري الذي هاجم الاستعمار الفرنسي لسوريا، حينها قال فابيوس: "من واجبي أن أذكرك بأن (جد) رئيسكم الأسد، طالب فرنسا بعدم الرحيل عن سوريا وعدم منحها الاستقلال، وذلك بموجب وثيقة رسمية وقع عليها ومحفوظة في أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية، وإن أحببت أعطيتك نسخة منها".
فلسطين في عام 1915 كانت تحت عهدة الأتراك العثمانيين، حتى صيف 1917 إبان الحرب العالمية الأولى، ومع تهاوي قوى دول المركز انتقلت فلسطين إلى السلطة الإنجليزية. هذه الحرب الأوروبية أرخت ظلالها على المنطقة العربية لأن إحدى القوى المتصارعة كانت الدولة العثمانية، مقابل الإنجليز والفرنسيين بتأثيرهم المهيمن على قطاع واسع من الأراضي العربية.
لقد كان للشريف حسين نفوذ في الجزيرة العربية في تلك الفترة، وكان الإنجليز قد وعدوه إن انتفض العرب على العثمانيين أن يمنحوا البلاد العربية الاستقلال ويمكنوه خليفة للعرب. وعود لم يتحقق منها شيء، بل إن خلال هذه الوعود التي تضمنتها مراسلات بين الشريف حسين وهنري ماكماهون المندوب السامي الإنجليزي في مصر، كانت تحاك في الخفاء معاهدة سايكس بيكو بين الإنجليز والفرنسيين لتقسيم الدول العربية.
في عام 1915 لم تكن الجزيرة العربية قد توحدت (حصل عام 1932)، وكان الملك عبد العزيز منصرفا تماما لخوض أصعب معاركه الداخلية لترسية حكمه في منطقة نجد والأحساء، وكان الملك حسين في الحجاز يتأهب ليولي نفسه ملكا للعرب. فلسطين حينها تحت إمرة العثمانيين، حتى استولى عليها خصومهم الإنجليز ووهبوها لليهود في عام 1917 بوعد بلفور الشهير.
مثل هذه التفاصيل يجهلها معظم الجيل العربي الحديث، كونهم لم يعاصروها ولم يكونوا في حيزها الثقافي، إنما الاطلاع عليها يجعل من السهولة بما كان اعتبار ما تفوه به الأسد افتراءات مختلقة.
ثم انتقل بشار الأسد إلى الدفاع عن عبد الناصر الذي كما قال كان يهدد الحكم السعودي. ما حصل أن عبد الناصر هز عرش السوريين وليس السعوديين، حينما فرض عليهم مشروع الوحدة فألغى هويتهم، وأنهى سيادتهم، حتى أصبح أعلى مسؤول سوري لا كلمة له في مطبخ قصر الرئاسة في دمشق.
أما السعودية فرغم ما حصل من مشاكل وأزمات في عهد عبد الناصر فإنها لم تهتز، بل ازدادت صلابة وتمكينا. لم يهزم عبد الناصر سوى سعيه لتطويع الدول العربية تحت سلطته، فأشعل فتيل حرب مع إسرائيل وجيشه في اليمن.
أما مبادرات السلام مع إسرائيل فقد طرحتها السعودية على العرب مرتين، الأولى في عهد الملك فهد بن عبد العزيز عام 1981. وكان أول الرافضين مناحم بيغن، لأنه اعتبرها تقويضا لمشروع الدولة الإسرائيلية وسببا في تدميره على مراحل. الملك فهد، مهندس اتفاق الطائف، عصم الدماء اللبنانية، ولم يهدر دم الفلسطينيين في مخيمات لبنان وسوريا في تل الزعتر واليرموك قديما وحديثا كما فعل الأسد الأب والابن.
ومثل مبادرة الملك فهد كانت مبادرة الأمير عبد الله (حين كان وليا للعهد) في القمة العربية في بيروت 2002، التي وصفها الأسد في خطابه الأخير أنها سيئة وأغرب مبادرة، لأنها تحوي ثلاث كلمات: "التطبيع مقابل السلام". لتنشيط ذاكرة الأسد فقط، أضع جزءا من كلمته في ذلك الاجتماع ورأيه حول المبادرة: "يؤكد العرب مرة أخرى على تمسكهم بالسلام العادل والشامل. ومن هنا تأتى مبادرة الأمير عبد الله التي لا تخرج بأي شكل من الأشكال عن الثوابت القومية التي نتحدث عنها دائما: الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة عام 1967، الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، حق العودة، وغيرها من الثوابت. هذه المبادرة بالنسبة لنا هي سلة الأفكار التي نضع فيها هذه الثوابت والأفكار لنقدمها للعالم".
وما دمنا نتحدث عن الحرب والسلام، فلا يجوز أن ننسى أرض العرب الغالية الجولان، التي انتقلت في حرب 67 إلى الإسرائيليين دون أن يتكبدوا عناء إطلاق رصاصة واحدة للاستيلاء عليها، وظلت بوابة يحرسها حافظ الأسد وابنه من بعده. أما الفظائع التي ارتكبها بشار الأسد في مخيم اليرموك الفلسطيني في حربه الدائرة اليوم فسيتعب التاريخ في كتابتها ولن يوفيها حقها.
هذا الجد ثم الأب والابن، فمن الذي تاجر بالقضايا العربية؟