الرئيسة \  تقارير  \  صحيفة إسرائيلية : اتفاق طهران-الرياض … هزة تكتونية في الشرق الأوسط

صحيفة إسرائيلية : اتفاق طهران-الرياض … هزة تكتونية في الشرق الأوسط

15.03.2023
ابراهام بن تسفي

صحيفة إسرائيلية : اتفاق طهران-الرياض … هزة تكتونية في الشرق الأوسط
القدس العربي
الثلاثاء 14/3/2023
بقلم: أبراهام بن تسفي
إسرائيل اليوم 13/3/2023
في بداية الخمسينيات من القرن العشرين بلورت إسرائيل الفتية بقيادة رئيس وزرائها الأول دافيد بن غوريون، مبدأ “دق كل باب” كحجر أساس مركزي في سياسة الخارجية والأمن، وذلك على خلفية التهديد الذي يحدق بوجودها من كل صوب وفي ضوء الريح المتجمدة التي هبت نحوها واشنطن آنذاك.
ربما لا يعرف محمد بن سلمان مذهب بن غوريون، لكن سلوكه في المجال الإقليمي والعالمي ينطوي الآن – بشكل متبلور وصافٍ – على “شيفرة تفعيلية” مشابهة. إذ يدور الحديث عن نمط عمل براغماتي وعملي جوهرياً، يتركز على التطلع لضمان الأمن القومي بكل ثمن، دون صلة بالطابع وبالصورة الأيديولوجية النظامية لشركاء طريق السعودية المحتملين. وبالفعل، تحولت إيران، الخصم المرير والخطير للسعودية –بحركة مفاجئة واحدة– إلى شريك اقتصادي وسياسي وأمني لمملكة النفط السعودية. وهكذا نسيت الحرب التي أدارها نظام آية الله في إيران ضدها، والتي وجدت تعبيرها في الهجوم المكثف الذي نفذه وكلاؤها الحوثيون على منشآت أرامكو في السعودية.
كل الرواسب والضغائن ترسبت حين وقّع الخصمان اللدودان في نهاية الأسبوع الأخير على اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما والاحترام المتبادل لسيادتيهما.
يطرح السؤال: ما الذي أحدث هذا التحول الدراماتيكي الذي قد يغير توازنات القوى من جذورها وتوزيع القوة النسبية في الساحة الشرق أوسطية؟ وثمة سؤال ناشئ: هل شعر بن سلمان بالتهديد لدرجة أنه أغري بتصديق وعد طهران بألا تتدخل في شؤون المملكة بعد اليوم؟ هل نسي الوعد الاحتفالي للطاغية الظلامي هتلر باحترام اتفاق ريبندروف – مولوتوف سيئ الصيت والسمعة؟ ربما نجد المفتاح لهذا التحول الدراماتيكي في واشنطن، والتي ساهمت بسلوكها مساهمة مركزية في هذه الهزة التكتونية التي أصابت المنطقة كلها. إدارة الرئيس بايدن هي التي دفعت السعوديين لدق باب النظام الذي نكل بهم على أمل في أن يمنحهم المحور مع النظام الشيعي مجال تنفس وشبكة أمان، ولو مؤقتة.
في الخلاف الفكري الذي بين اعتبارات المصلحة السياسية الباردة الواعية وبين اعتبارات الأخلاق والآداب، اختارت الإدارة المسار القيمي. حتى وإن كان هذا التفضيل جديراً للغاية على المستوى المبدئي والمبسط، ففي السياق السعودي تلوح آثاره المحتملة كهدامة. إذ يبدو أن البيت الأبيض فضل التضحية بالحاجة الاستراتيجية لصد التهديد المحدق من إيران على محيطها الإقليمي، وأولاً وقبل كل شيء على السعودية وإسرائيل ودول الخليج على مذبح طهارته الأخلاقية وضغينته العميقة تجاه بن سلمان.
تحفظ على نتنياهو
صحيح أن قتل خاشقجي كان وحشياً وصادماً، ولكن في الحاضر الدولي المتصلب، الذي لا يقوم على أساس أعمدة الديمقراطية الليبرالية ومبدأ العدالة المطلقة، أفلا تشجب مظالم الرياض في ضوء طابع طهران القمعي العنيف والإجرامي الذي هو على مسافة خطوة قصيرة عن القنبلة؟
كان الحسم قاطعاً من ناحية بايدن، لأنه يمتنع عن توريد السلاح المتطور للسعودية لأسباب أخلاقية وعلى خلفية رواسب “قضية خاشقجي وملحقاتها، بما في ذلك على مستوى الطاقة. ومع أن فتح قناة السلاح إلى المملكة كان سيمنع فرارها المحتمل إلى حضن الخصم وسيساهم في رفع المستوى والتسريع بمسيرة تطبيع الرياض مع القدس، امتنع بايدن حتى الآن عن كل خطوة قاطعة حتى الآن.
ينبغي الافتراض بأن عاملاً مساعداً على هذا السلوك الأمريكي، وهو تحفظ البيت الأبيض من كل خطوة كانت ستعزز مكانة نتنياهو (الذي كان التطبيع مع السعودية ولا يزال هدفاً جوهرياً استراتيجياً له وخشبة قفز ضرورية لتوسيع “اتفاقات إبراهيم”)، وذلك على خلفية الثورة القضائية التي بادر إليها.
أفول قوة عظمى
هكذا نشأت صلة واضحة بين هدف الإسناد والدعم الأمريكي للسياسة الإسرائيلية في الساحة السعودية وبين هدف كبح المخطط الحالي للانقلاب النظامي في إسرائيل. إذ إن هذا المخطط يشكل في نظر واشنطن الليبرالية خروجها ويبعث على القلق من إسرائيل ومن الخطوط الهيكلية الجذرية للثقافة السياسية الأمريكية.
حتى لو لم يكن من ناحية الإدارة مبرر أيديولوجي لمنح نتنياهو الآن ورقة مظفرة حرجة دون مرونة من ناحيته في المستوى التشريعي، فإن ثمن ذلك من ناحية الطابع المستقبلي للمنطقة قد يكون باهظاً ويؤثر سلباً على المصالح الأمريكية أيضاً؛ لأن الفراغ الذي تخلفه القوة العظمى الأمريكية في المنطقة ربما يملأه لاعبون كديون بسرعة، مثل الروس، الذين قد تشددوا أكثر باتجاه انعدام الاستقرار الإقليمي، ويهددون مكانة أمريكا الآفلة.
على أي حال، هذه مرحلة إضافية ودراماتيكية في عملية فك ارتباط القوة العظمى الأمريكية عن الشرق الأوسط، بنهاية لا يحمد عقباها.