الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدلب: انتظارات ومسؤوليات

إدلب: انتظارات ومسؤوليات

23.09.2018
عديد نصار


العرب اللندنية
السبت 22/9/2018
ضمن المعطيات المتوفرة عن الاتفاق الروسي التركي، فإن إدلب وفي حدود مرحلة ما، قد تجنّبت مصيرا دمويا كان النظام الأسدي وحلفاؤه الإيرانيون يحشدون له.
مصالح دولية متقاطعة ومتضاربة أحيانا، ربما تكون جنبت المحافظة والمناطق المتاخمة مصيرا يرغبه النظام وتسعى إليه الميليشيات الطائفية التي يحركها النظام الإيراني. فلا حاجة لنا بالتذكير بحاجة تركيا إلى منطقة نفوذ في سوريا، أو حصة تمكنها من تحقيق مصالح معينة أو فرض شروط خاصة تتعلق بمستقبل سوريا قد تكون أبعد من إنهاء حلم صالح مسلم وتنظيمه في كيان كردي على حدودها مع سوريا، وقد تصل إلى نصيبٍ ما في كعكة إعادة الإعمار الذي يدعو إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خاصة في الشمال السوري وتحديدا في مدينة حلب.
كما لا حاجة للتذكير بتخوّف الدول الأوروبية من زحف جديد لمئات آلاف اللاجئين في حال شنّ الأسد وحلفاؤه حربا تدميرية على المحافظة كما حدث في حلب وسواها، وكما سبق أن تم التحضير له، وهذا بات سلاحا مرعبا ما فتئ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يهدد به الأوروبيين بأن بلاده ستفتح الطريق أمام سيل من اللاجئين في حال تدفقهم إلى بلاده. إضافة إلى تخوّف الأوروبيين من اندساس آلاف المتشددين بين اللاجئين الذين قد يزحفون باتجاه أوروبا.
أما بوتين الذي يدعو إلى إعادة اللاجئين ويطالب الأوروبيين بتمويل إعادة إعمار سوريا فليس من مصلحته إضافة مئات آلاف اللاجئين ممن سيحاولون النجاة بأنفسهم من محرقة إدلب، إضافة إلى حاجته الراهنة لتعاون أكثر مع “الشريك” التركي. وهكذا تصبح إيران خارج اللعبة وإن ادّعت على لسان أكثر من مسؤول حكومي أنها مرتاحة للاتفاق الروسي التركي الذي عقد في سوتشي بعد عشرة أيام من فشل قمة طهران الثلاثية.
ومن سخرية الحدث أن يعلن نظام الأسد الذي يدعي حرصه على “السيادة الوطنية” ارتياحه لما تقرر في سوتشي بخصوص إحدى محافظات سوريا وفي غيابه التام، إذ يتضح أن لا دور له في تقرير أي شيء يتعلق بمصير سوريا. ولا يختلف واقع المعارضة السورية عن ذلك، فهي تلعب دور المتلقي لا أكثر.
وبغض النظر عما قيل من بنود سرية تضمنها اتفاق سوتشي بين الروس والأتراك، إلا أن تجنيب ثلاثة ملايين من السوريين المقيمين في إدلب مصيرا كارثيا يبقى الأهم. أضف إلى ذلك، تعذر بسط سيطرة قوات الأسد وحلفائه من الميليشيات ولو مرحليا على جزء مهم من سوريا ما يتيح للمقيمين فيه، فرصة إعادة ترتيب أوضاعهم وتشكيل هيئاتهم المدنية التي يمكن لها تقديم الخدمات الضرورية للسكان.
لقد أظهر السوريون المقيمون في إدلب، إلى جانب الأدالبة أنفسهم، قدرا كبيرا من الثورية في الأسابيع القليلة الماضية حين ملؤوا الشوارع يتظاهرون، رافعين أعلام الثورة ومطلقين هتافاتها الأولى تحت شعار “لا بديل عن إسقاط النظام”، في مواجهة الحشود العسكرية الضخمة للنظام وحلفائه التي توجهت لمحاصرتهم وتحضرت لسحقهم.
لا يضير تلك التظاهرات القول إن تركيا تقف خلفها مباشرة أو من خلال المجموعات المعارضة التي تحركها، كما لا يضيرها أن المجموعات المتشددة المسلحة الموسومة بالإرهاب (النصرة أو هيئة تحرير الشام وسواهما) قد أتاحت لها بتواريها عن الساحة المجال كي تتجنب أو تؤجل لحظة الإجهاز عليها، فغابت الرايات السوداء واحتلت راية الثورة الساحات، فمهما كان شكل الفرص التي سمحت لتلك المظاهرات أن تُظهّر ما لدى السوريين من إصرار على الصمود في ثورتهم، فهذا لا يعيب تلك الثورة التي تنتظر أن تتخلص من كل هؤلاء لاستكمال مسيرتها.
وفي هذا السياق لا بد من حضّ الكوادر الثورية على تفعيل دورها كي لا تترك الساحات للقوى التي أمعنت تخريبا في انتفاضة السوريين وثورتهم منذ اليوم الأول. إذ لا بد من العمل الجاد، ولو بشكل متكتم نظرا للمخاطر المحدقة، وبالإمكانيات المتيسرة لديهم على تنظيم صفوفهم والوصول إلى الجماهير لتنظيمها في إطار تنسيقيات تؤمّن التواصل والتفاعل بعيدا عن تأثير تلك القوى وعلى رأسها الإخوان المسلمين الذين كما يبدو بدأوا بالتسلل إلى هذا الحراك المستجد من خلال تسمية أيام الجمعة كما كان حالهم في بداية الثورة، فأطلقوا على يوم 21 سبتمبر تسمية مشبوهة “لا دستور ولا إعمار حتى إسقاط بشار”، وكان الحري إطلاق تسمية “جمعة المعتقلين” عليه كما طالب الكثيرون.
أما بالنسبة لهيئة تحرير الشام وباقي المجموعات الشبيهة، فإن استثمار ارتفاع منسوب الحراك المدني بطريقة علمية ومدروسة، وفي ظل تقاطع المصالح الدولية الراهن، يجعل من السهل محاصرتها والحد من تأثيرها وصولا إلى التخلص منها نهائيا.
إن استعادة عمل التنسيقيات المحلية في إدلب يمكن أن يجنب المدنيين الكثير من الويلات في حال نسف النظام وحلفاؤه اتفاق سوتشي وشنوا هجومهم على المحافظة.