الرئيسة \  تقارير  \  باحث إسرائيلي: الاحتلال يهدّد أمن إسرائيل القومي والانتفاضة القادمة حتمية وأكثر عنفا

باحث إسرائيلي: الاحتلال يهدّد أمن إسرائيل القومي والانتفاضة القادمة حتمية وأكثر عنفا

27.09.2021
القدس العربي


القدس العربي
الاحد 26/9/2021
الناصرة- “القدس العربي”: أكد باحث إسرائيلي بارز أن الاحتلال وبحلاف مزاعم قادته يهدّد أمن إسرائيل وليس العكس، محذّرا من أن الفلسطينيين سيركلون كل مشاريع السلام الاقتصادي وانتفاضتهم مسألة وقت وستكون أكثر دموية.
وقال دكتور ألون بن مئير أستاذ العلاقات الدولية في مركز الدراسات الدولية في جامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط بمعهد السياسة الدولية إن الحجة الإسرائيلية ضد إقامة دولة فلسطينية على أساس مخاوف تتعلق بالأمن القومي لا أساس لها من ‏الصحة لأنها لا تهدد الواقع على الأرض، مؤكدا أنها خاطئة تمامًا ومضللة.‏ موضحا أن القادة الإسرائيليين انخرطوا لمدة عقود في رواية عامة كاذبة متعمدة ومستمرة لتبرير الاحتلال على ‏أساس أنه أمر أساسي لأمن إسرائيل القومي وأن إنشاء دولة فلسطينية سيشكل خطرًا وجوديًا عليها.
وأضاف بن مئير في مقاله المنشور في موقع مركز الدراسات الدولية المذكور “في حين أن العديد من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي وخبراء الأمن القومي لا يتفقون مع هذا التقييم لم ‏يجادل رئيس وزراء أو وزير أمن إسرائيلي في منصبه بشكل مقنع كيف أن دولة فلسطينية منزوعة ‏السلاح أكثر خطورة من الإبقاء على الاحتلال. في الواقع ، قيام دولة فلسطينية منشغلة في بناء ذاتها ‏تكون على تعاون الكامل مع إسرائيل في جميع المسائل الأمنية (وهذه ستكون شرطا مسبقًا لإنشاء دولة فلسطينية) ‏تعزز بالأحرى الأمن القومي لإسرائيل”.‏
ورأى أنه قد حان الوقت لأن يستيقظ الإسرائيليون ويتوقفوا عن ابتلاع زيف هذه الرواية التي تجعل الأمن القومي ‏لإسرائيل مرادفًا للاحتلال منبها أن قادتهم يصوّرون الفلسطينيين على أنهم أعداء دائمون يشكلون تهديدًا ‏وجوديًا وبالتالي يجب السيطرة عليهم بقوة. ويتابع “ومع ذلك فإن أجندتهم الحقيقية هي ضم المزيد من الأراضي ‏الفلسطينية وإسكان الضفة الغربية بما لا يقل عن مليون يهودي وجعل إقامة دولة فلسطينية بمساحة أرض ‏متواصلة أمرًا مستحيلًا تقريبًا”.
وأكد أن الاحتلال يواصل تحفيز مقاومة الفلسطينيين داخل وخارج البلاد ويزيد من استيائهم ‏وكرههم لإسرائيل ويسمم الجيل القادم من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء الذين ينظرون إلى ‏بعضهم البعض مثل الأجيال الثلاثة الماضية على أنهم أعداء دائمون لدودون، إنهم يستعدون للحرب القادمة ‏بدلاً من علاقة سلمية وحسن جوار وازدهار”. ‏
ثلاث حجج
وأوضح بن مئير أن هناك ثلاث حجج تظهر بوضوح كيف أن الاحتلال يدعو فعلاً إلى العنف ويقوض أمن إسرائيل القومي ‏ويقوض قدرتها الأخلاقية، ويتساءل بالقول إنه بادئ ذي بدء، كيف يمكن لإسرائيل أن تدعي أنها أقوى دولة في المنطقة ومع ذلك تخشى مجموعات ‏صغيرة من الفلسطينيين الذين لا يريدون أكثر من دولة فلسطينية موحدة ملتزمة بحماية استقلالها ‏ومستعدة للتعاون مع إسرائيل؟ ويضيف “نعم، يسمح الاحتلال لإسرائيل بالتجول دون قيود ‏في معظم الأراضي المحتلة لملاحقة المسلحين والقيام بمداهمات ليلية وعمليات إخلاء وهدم للمنازل وسجن ‏متى شاءت كوسيلة لإخضاع الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن هذه الإجراءات الوحشية المتخذة باسم الأمن ‏القومي في الواقع تجعل إسرائيل أقل أمنًا وأكثر عرضة للخطر”.
وبعيدا عن السرب الإسرائيلي يقول بن مئير إن أي فلسطيني قُتل طفله أو هُدم منزله أو تم إخلاؤه بالقوة لا يستطيع نسيان ما أصابه من قبل القوات ‏الإسرائيلية.
ويعتبر الباحث الإسرائيلي من أصل عراقي أن إسرائيل بشكل أساسي تزرع بذور الجيل الفلسطيني القادم الذي سيصبح أكثر قتالية وأكثر ‏إصرارًا على إنهاء الاحتلال بأي وسيلة ضرورية – حتى لو اضطروا للتضحية بأنفسهم لتحقيق هذه الغاية. ‏ولتوضيح ديناميكية هذه النتيجة يقول بن مئير إنه عندما لا يكون لدى الفلسطينيين شيء آخر يخسرونه، فإنهم يفضلون الموت كشهداء على أن يظلوا عبيدًا دائمين ‏يعيشون في إهانة ويأس. إنها مسألة وقت فقط عندما ينتفضون مرة أخرى – وسوف ينتفضون وستكون ‏انتفاضتهم أكثر عنفًا من أي وقت مضى. ‏
تشجيع أعداء إسرائيل
‏ويؤكد دون تردد أن الاحتلال يزيد من جرأة أعداء إسرائيل الذين يستخدمونها كذريعة لتعزيز أجندتهم الإقليمية: إذا كانت ‏إسرائيل قلقة للغاية بشأن التهديدات الإيرانية، فعليها أن تعلم أن إيران ليس لديها أي قصد أيديولوجي ‏لتدمير إسرائيل. وعن ذلك يضيف “في العام 2003 عرضت إيران اقتراح سلام سريا تقبل فيه إيران السلام مع إسرائيل ‏وتنهي المساعدة المادية للجماعات الفلسطينية المسلحة وتضغط على هذه الجماعات لوقف الهجمات ‏داخل إسرائيل. تم نقل الاقتراح عبر الولايات المتحدة وجهات أخرى في بريل/ نيسان 2003، معتبرا أنه لا يوجد سبب لافتراض أن الاقتراح الإيراني ‏المستقبلي سيتغير جوهريًا بأي طريقة مهمة بمجرد أن تصل إسرائيل مع والفلسطينيين إلى اتفاق سلام.
ويرى أن إنهاء الاحتلال بمثل هذا الاقتراح أو بدونه كان سيحيّد معارضة طهران لوجود إسرائيل وسحب البساط من ‏تحت وكلائها- حزب الله وحماس والجماعات الجهادية الأخرى- الذين يستخدمون الاحتلال لتبرير ‏مقاومتهم العنيفة ضد إسرائيل. لذا برأيه قد يتساءل المرء، بأي طريقة يوازن الاحتلال التطرف؟ عن ذلك يؤكد أن الاحتلال يكثف، ‏في الواقع، بشكل كبير، ردود الفعل العنيفة. ‏
تنشئة طابور خامس
‏وبرأي بن مئير أيضا يزيد الاحتلال من نفور ما يقرب من مليوني عربي فلسطيني داخل إسرائيل ممن لهم صلة عميقة بإخوانهم في الضفة ‏الغربية وغزة. ويضيف “إنهم غاضبون من السلوك الإسرائيلي غير القانوني في الضفة الغربية والحصار المفروض ‏على غزة. يتم حشر هؤلاء في وضع لا يمكن تحمله حيث يتعين عليهم الاختيار بين ولائهم للمقاطعة التي ‏يعيشون فيها أو قرابتهم لعائلاتهم الفلسطينية الأكبر. إن مواجهتهم العنيفة قبل شهرين مع الشرطة ‏الإسرائيلية واليهود الإسرائيليين العاديين في أعقاب الحادث الذي وقع في المسجد الأقصى في مايو/ ايار وما تلاه ‏من اندلاع أعمال عنف بين حماس وإسرائيل تقول الكثير عن مواقفهم إذا كان يجب عليهم الاختيار”.‏
يحذر من تحول فلسطينيي الداخل لـ “طابور خامس”
ويتابع “ترعى إسرائيل بحكم تصميمها على استمرار الاحتلال في الواقع طابوراً خامساً داخلها مما يجعلها ‏أكثر عرضة للخطر من الداخل. لا يمكن استبعاد احتمال أن يؤدي أي حادث خطير سواء كان طردًا ‏قسريًا أو قتل فلسطينيين بالرصاص بدم بارد إلى اندلاع انتفاضة للعرب الفلسطينيين في إسرائيل وفي ‏الضفة الغربية. ومن المسلم به أن حماس ستدخل المعركة ومن المحتمل أن ينضم إليها حزب الله وعناصر ‏الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا. يمتلك يمتلكون 200 ألف صاروخ وآلاف منها لديها آليات ‏استهداف دقيقة يمكن أن تصل إلى أي مكان في إسرائيل”.‏
وهم السلام الاقتصادي
وفي معرض انتقاده للتوجهات الإسرائيلية يقول بن مئير إنه مع ذلك، يشعر القادة الإسرائيليون المتعاقبون بالثقة في أن الاحتلال يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى معتقدين أنه بمرور الوقت سيقبل الفلسطينيون مصيرهم بدون دولة كأسلوب حياة.
ويضيف “تثق حكومة بينيت/ لابيد كذلك في أنه إذا وفرت إسرائيل للفلسطينيين المزيد من الفتات في شكل تنمية اقتصادية وفرص عمل ‏في إسرائيل وبعض تصاريح البناء وإجراءات أمنية أقل تدخلاً، فسوف ينسى الفلسطينيون فكرة إقامة ‏الدولة ويعيشون بسعادة خاضعين لأهواء إسرائيل”.
ويشير إلى أنه من خلال اتخاذ هذه الإجراءات، تسعى الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى “تقليص الاحتلال” وتخفيف ‏الحصار على غزة من خلال تقديم برنامج تنمية اقتصادية مكثف لحماس على غرار اقتراح لابيد. وتقول ‏الحجة الإسرائيلية إن الفلسطينيين سيكونون سعداء بإدارة شؤونهم بالطريقة التي يرونها مناسبة طالما أنهم يتوقفون ‏ويكفون عن أي نشاط عنيف ضد إسرائيل. ويخلص بن مئير للقول “في حين أن هذه الإجراءات ضرورية لعملية المصالحة فإنها ‏لن تكون أبدًا بديلاً عن دولة فلسطينية مستقلة قد يكون هذا هو الوهم الأكبر الذي سيطر على الإسرائيليين. يبقى الاحتلال احتلالاً مهما كان ملثماً ومهما ‏كان الوجود العسكري الإسرائيلي الهائل في الضفة الغربية. يبقى الاحتلال أكبر تهديد لأمن إسرائيل القومي ‏وعلى الجمهور الإسرائيلي أن ينتبه إلى هذا الواقع المرير”.
وتأتي تحذيرات بن مئير على خلفية تصاعد مقترحات الاحتلال بالسلام الاقتصادي وتحسين شروط الاحتلال كما جاء في خطة لوزير خارجية الاحتلال يائير لابيد قبل أسبوع وبمخططات رئيسها نفتالي بينت الساعي لاستبدال فكرة “إدارة الصراع” بـ”تقليص الاحتلال”.
الاحتلال سرطان سيجهز على إسرائيل
وسبق بن مئير وحذر من أن الاحتلال سيقضي على إسرائيل ويشبهه بالسرطان- العدو من الداخل- الذي يشكل أكبر خطر على كيانها داعيا الإسرائيليين للانسحاب فورا وتسوية الصراع مع الفلسطينيين لدواع أخلاقية ونفعية أيضا. ويقول دكتور ألون بن مئير أستاذ العلاقات الدولية في مركز الدراسات الدولية في جامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط بمعهد السياسة الدولية، إنه لا يسع أي مراقب لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي إلا أن يخلص للاستنتاج أنه لا يمكن الدفاع عن الاحتلال لأنه يمنع إقامة دولة فلسطينية ويقوّض بشكل خطير الأساس الأخلاقي لإسرائيل إلى درجة تتحدى الفرضية الكامنة وراء إنشائها.
وفي مقال معمق نشره موقع “أوغوست فري بريس” قبل نحو الشهرين ينوه بن مئير، وهو صحافي وأكاديمي يهودي من أصل عراقي مناصر للسلام، أنه بخلاف تأكيدات رئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو، فإن الاحتلال يقوض الأمن القومي لإسرائيل بدلاً من دعمه، ولا يمكن تبريره على أسس أمنية أو أخلاقية. وتابع في مقاله المذكور محذرا من تبعاته ما لم تتبنَّ إسرائيل مساراً أخلاقياً جديداً، فإنها ستنهار حتماً من الداخل. ستصبح دولة منبوذة فقدت روحها وتتخلى عمدا عن الأحلام العزيزة لآبائها المؤسسين لدولة ديمقراطية مستقلة يتمتع فيها كل مواطن بالحرية وبالمساواة أمام القانون وتكون فيها حقوقه الإنسانية محميّة”.
دولة إجرامية
ويأتي هذا الموقف بعد أيام من انتقادات حادة غير مسبوقة وجهها لدولة الاحتلال نجل وزير خارجيتها الأول يعقوب شاريت الذي قال إن “إسرائيل دولة محتلة وإجرامية ولدت في الخطيئة ومستقبلها أسود. الصراع نشب بعدما قدمنا لبلاد مأهولة وحولنا الأغلبية لأقلية.
وتابع شاريت في حديث مطول لصحيفة “هارتس”: “هناك عاصفة تحت الماء وأخشى على مستقبل أبنائي وأحفادي. بعض أحفادي يقيمون في نيويورك وهناك مليون إسرائيلي في الخارج وهذا متوقع لأنه بمرور الأجيال يتبخر الالتزام الأيديولوجي الصهيوني. اختفت كل الوعود التي قطعناها على أنفسنا وأنا خائب الأمل فأجندتنا الوطنية هي الدم والموت والعنف. أشعر بالضيق عندما أرى رئيس حكومة إسرائيل يعتمر قبعة دينية. هذه ليست إسرائيل التي أريد أن أراها. باتت إسرائيل دولة رجعية متعصبة وغيبية وتطمع بالتوسع والسيطرة. لست قلقا بالموت ولا اين سأدفن فعلى أي حال وفي جيل أو جيلين سيتم نسيان شواهد القبور والتخلي عنها”.
وتكمن أهمية هذه التصريحات من قوتها وحدتها ووضوحها ومن كونها صادرة عن رجل ومثقف سجله حافل بالعمل السياسي والاستخباراتي والثقافي سابقا وابن رئيس حكومة راحل ووزير خارجية مؤسّس. يعقوب شاريت الذي سبق ووضع في الثمانينيات كتابا بعنوان “دولة إسرائيل زائلة” ليس وحيدا من ناحية حدة الموقف والرؤية والانتماء لرموز الدولة منهم افرهام بورغ والفيلسوف الراحل يشعياهو لايفوفيتش (زميل يعقوب شاريت في الجامعة) والمؤرخ بيني موريس وغيرهم خاصة من خريجي المؤسسة الأمنية ممن يرون هم أيضا أن قيام دولة فلسطينية مصلحة عليا لإسرائيل لأنها تحول دون تحولها لدولة ثنائية القومية أو لدولة عربية مع الأيام.