الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خيار السوريين الإجباري بعد (حميميم) بوتين

خيار السوريين الإجباري بعد (حميميم) بوتين

16.10.2017
د. يحيى العريضي


كلنا شركاء
الاحد 15/10/2017
نقلت الشرق الأوسط عن مصادر غربية بأن روسيا تنوي عقد لقاء أو مؤتمر في قاعدتها الجوية في “حميميم” السورية أواخر شهر اكتوبر/تشرين الأول/ تَجْمَعُ فيه ما سمّته جهات معارضة، وحكومية؛ وجماعات مصالحة وخفض تصعيد، لأهداف معلنة تتعلّق بـالوضع السوري العام، وخفض التوتر بين الأطراف السورية، ومناقشة الدستور، ولجان تفاوضية لمشاريع المستقبل، والتمهيد لمؤتمر شامل. اما الأهداف المضمرة أو غير المعلنة لهكذا لقاء، فتتمثل بتكريس روسيا رسمياً متصرفية سامية صاحبة القرار الفصل في الشأن السوري عامة دون الظهور بمظهر قوة الإحتلال التي تخشى أن توصَمَ بها. بموازة ذلك، تطلق روسيا رصاصة الرحمة على “جنيف” والقرارات الدولية التي تحدثت عن حل سياسي يفضي إلى عملية تغيير سياسي حقيقي في سورية. ومن ناحية ثالثة تقفز إلى الأمام بـ “أستانة” واتفاقات خفض التصعيد المنتهكة يومياً إلى تكريس وهم مفاده ان العسكرة وضعت أوزارها، وخفض التصعيد أخذ مفاعيله، والأمور في سورية بأمان؛ وما بقي إلا “بوس الشوارب” و “يا دار ما دخلك شر”.
في الجنى المباشر وطويل المدى لهكذا لقاء طي لصفحة جرائم النظام الأسدي؛ وبالمعية، طي لجرائم الحرب التي ارتكبتها موسكو؛ وكلاهما نتاج لما يسمى “سوبر” مصالحات تقول: عفى الله عمّا مضى”، تاركة جمر المأساة السورية تحت رمادها. من جانب آخر؛ موسكو، التي عبّرت عن حماسها لمؤتمر جديد للمعارضة في الرياض، يتم بموجبه توسيع الهيئة العليا للمفاوضات وتعزيزها بقوى فاعلة تجاه مفاوضات جادة نحو حل سلمي في سورية، تنسف بخطوتها المزمعة في حميم أي فرصة جادة لهكذا لقاء أوحل. وبذا تجهض أي توجه حقيقي ملتزم بثوابت الثورة السورية يلبي طموحات السوريين ويتجاوب مع تطلعاتهم للحرية والأمان والسلام. والأنكى والأوقح من ذلك رغبة موسكو وتطلعها أن تكون سورية مثلها دولة “اتحادية”؛ وكأن سورية التي شبعت قتلاً وتدميراً على يد دكتاتوريتها الإجرامية ينقصها المزيد من النموذج الدكتاتوري البوتيني. وقد تكون تلك الخطوة البوتينية في حميميم نتاج تيقّن روسي بأن الجهود المبذولة من قبلها في تشكيل أو تصنيع معارضة “روباطية” لنسف مؤتمر الرياض لم تجدِ نفعا؛ فعملت على تصميم بديل حميمي. ومع فارق التشبيه، عندما عجزت موسكو عن منع تغيير النظام، قررت تغيير الشعب أو إلغائه أو سحقه. وكما عجزت منظومة الإستبداد الأسدية والإيرانية والداعشية وبظهرهم موسكو عن سحق وتغيير الشعب السوري، ستعجز موسكو عن تغيير من التزم ثوابت ثورة أهل سورية وصوتهم وإرادتهم في الحرية والسلم والأمان وإعادة بلدهم إلى الحياة.
يتصور السيد بوتين واهماً بأن لقاء آخر الشهر في حميميم سيريح باله وسيتم إقرار الدستور الذي كتبه لسورية جاهلوه مأموروا الدكتاتورية لديه؛ وسيكرس نظام الاستبداد الذي أتى إلى حمايته، ويعيد تكريره، ويتلقى وعوداً بإعادة الإعمار؛ ثم ينطلق إلى انتخابات رئاسية روسية في مارس/أذار 2018، ويمتطي كرسي الرئاسة للمرة الرابعة. ولا أحد يدري إن كان ذلك صدى الغباء، أم عنجهية القوة، أم الوهم، أم كلها مجتمعة!! وكأن أحداً لم يخبر بوتين أن دخول المغطس السوري خاصة، ليس كالخروج منه. وكانه نسي أن من أدخل اتحاده السوفييتي المغطس الأفغاني، هو ذاته الذي أدخله المغطس السوري. الفارق الوحيد الأساسي هو العامل الإسرائيلي الأشد حرارة مما كان عليه أيام إفغانستان. والمثال البسيط على ورطته التكتيكية توريطه السيد “سيبان حمو” وإغرائه له بأنه سيسعى لدى “نظام الأسد” بقبول الفدرالية. من جانب آخر، لا أحد يعرف ما سيفعله به الأمريكييون عندما يعرفون بأنه ينسق مع الروس.
جوهر المأساة البوتينية يتمثل بإبقاء منظومة الأسد. وأي أمر آخر ثانوي. والمستغرب أن  بوتين بكل خبثه غير الخالي من الذكاء لا يزال يكابر، ولم يتيقن بعد أن ذلك مستحيلاً. وحتى يزيل عن مغامرته الاستحالة على بوتين أن ينجز الأمور التالية قبل مؤتمر حميميم، خلاله، أو بعده. إن استطاع بإمكانه الإحتفاظ بمنظومة الأسد إلى متى شاء:
* بعد تنظيف أجهزة المخابرات الأسدية من أولئك المتورطين بدماء السوريين، تحويل تلك الأجهزة إلى قوى شرطية مهمتها أمن المواطن وتطبيق القانون. * إطلاق سراح المعتقلين فورياً؛ وقضية هؤلاء مسألة فوق التفاوض. * إخراج الميليشيات الإيرانية من سورية. * إلغاء كل الاتفاقات الإذعانية التي باع الأسد البلد من خلالها لحماية كرسيّه؛ وحصر الاتفاقات بحكومة منتخبة. * إلغاء الأحكام والقوانين التي أصدرتها منظومة الاستبداد منذ آذار عام2011 . * الموافقة على تشكيل لجان تحقيق بجرائم الحرب المرتكبة في سورية وإصدار قرار من مجلس الأمن بخصوص ذلك. * إشراف قوى ردع ومراقبة دولية على تطهير سورية من الإرهاب قوامها  من انشق عن الجيش ومن بقي نظيف اليد من دماء السوريين. هل يستطيع السيد بوتين أن ينجز ذلك في حميميم أو غيرها؟ إن استطاع وفعل، ستُرفع له قبعات العالم وعلى رأسهم السوريين الذي ذبَحَهم مسامحين. الواقع لن يستطيع؛ حتى ولو أراد.
العالم تغيّر سيد بوتين! جدران الخوف والصمت السورية سقطت. منظومة الاستبداد سقطت وشبعت سقوطاً. هي باقية الآن بفعل روسي إيراني؛ فإن اختار الروس والإيرانيون البقاء، فمع قلة السلامة. ألف شاب سوري، ضمن مجموعات عداد كل منها خمسة، سيجعلون بوتين ينسى إسمه؛ وخامنائي يأكل لحيته، وأشلاء منظومة الإستبداد تتبخر. لتعقد ما تشاء من مؤتمرات سيد بوتين؛ فلن تكون قيمتها حذاء طفل سوري يريد الحرية الأمان والمستقبل الذي لا يشبه الدولة الاتحادية التي ترأس أو الدولة السورية الاتحادية التي تبشر السوريين بها. في حميميم، بتصورك سيد بوتين ستكون نهاية الثورة السورية؛ ولكن ذلك سيكون الحافز لولادتها من جديد. لتبقى كل منظومات المعارضة السياسية والعسكرية تعمل، وتعبث كما تشاء؛ ولكن هؤلاء الألف سيعيدوا الحياة لسورية، التي لا تريد انت وغيرك، بل يريدها أهلها الحقيقيون؛ وخاصة ذلك الطفل السوري الذي حدثتك عنه. إنه خيار السوريين الإجباري والوحيد.