الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مقتل البغدادي وعودة نظرية المؤامرة

مقتل البغدادي وعودة نظرية المؤامرة

31.10.2019
ياسر الزعاترة


العرب القطرية
الاربعاء 30/10/2019
من جديد، وإثر مقتل البغدادي بيد القوات الأميركية، عاد الجدل الذي لم يتوقف حول التنظيم الذي قاده الرجل، وكيف نشأ؟ ومن أنشأه؟ ولمن ينتسب؟
أصحاب نظرية المؤامرة لم يتورّعوا عن القول، إن أميركا هي من تقف وراءه، رغم أنها هي التي قتلت قادته تباعاً منذ الزرقاوي وحتى البغدادي، وستطارد من سيأتي بعده، وهو من قاتلها وأرهقها في العراق، فيما ذهب آخرون إلى القول، إن إيران هي من تقف وراءه وتوجّهه، بينما ارتبك حلفاء الأخيرة في توصيف التنظيم، بين نسبته إلى أميركا والكيان الصهيوني، ونسبته إلى السعودية وقطر وتركيا، ولم يخجلوا من ذلك وهم يرون الطيران الأميركي يحرق المناطق التي يسيطر عليها، ولولاه لوصل بغداد بعد سيطرته على الموصل.
ما يجب أن يقال ابتداء، هو أن التنظيمات الكبيرة ذات الأبعاد الأيديولوجية والامتدادات الاجتماعية لا يمكن صناعتها في أروقة الأجهزة الأمنية أياً تكن قوتها، وإذا كان بوسع الأخيرة أن تفعل شيئاً على هذا الصعيد، فلن يتجاوز الأمر صناعة تنظيمات مسلحة صغيرة تستخدمها لهذا الهدف أو ذاك، أما الحديث عن الاختراقات فما من تنظيم مسلح أو سري إلا وتعرّض لها، لكن الاختراق شيء، والتوجيه وصناعة النهج شيء آخر.
أما نسبته لإيران، فهي بلا قيمة، لأنه كان من ألدّ أعدائها، وإن أفادها سياسياً من الناحية العملية، كما في الحالة السورية حين منحها والعالم فرصة وصم الثورة بالإرهاب.
قد يبدو هذا الكلام لقصار النظر ضرباً من الدفاع عن التنظيم، لكن من يفقهون لغة العلم والتحليل يدركون أنه الحقيقة المقنعة، ثم إننا لا نتحدث عن رفض نهجه الفكري، فضلاً عن جرائمه التي "تفنّن" في بعضها، وتبعاتها على الإسلام والمسلمين، فقد فعلنا ذلك مراراً وتكراراً.
العنف المسلح ينشأ حين تتوفر الظروف الموضوعية لذلك، وفي مقدمتها قضية ملحة يلتف الناس من حولها، ودوافع كافية لذلك، وحين تتوفر فغالباً ما يحمل العنف "المسلح أو الثوري أو الجهادي.. سمّه ما شئت" نمط الأيديولوجيا السائدة وقت نشوئه، ويتطرف في بعض الأحيان رداً على تطرف الآخرين في مواجهته، هل يمكن أن نتجاهل عنف القوى الشيعية في العراق مثلاً؟ وتجارب السجون الرهيبة التي خرّجت قطاعاً من قادة التنظيم؟! هل بوسع أحدٍ أن يتجاهل أمثال "أبوعزرائيل"، حيث كان يتباهى بشواء الجثث أمام الكاميرات؟!
التنظيم في الخلاصة هو جزء من ارتدادات حدث تاريخي أصاب المنطقة برمتها، تمثل في الاحتلال الأميركي للعراق، وهو نشأ بعد ذلك الاحتلال مباشرة، وحين أطلق الزرقاوي ومن معه بخبراتهم القديمة في أفغانستان، عملياتهم ضد قوات الاحتلال، كان أن أعادوا بعض الثقة إلى المجتمع العربي السنّي، فيما كان الطرف الآخر الشيعي في حالة من الانتشاء، وبدأت بعض فصائله التابعة لإيران عمليات استهداف واسعة النطاق ضد من يصنّفونهم عملاء للنظام السابق، وهم نخبة المجتمع السنّي، فضلاً عن عمليات اختطاف وتعذيب بلا حصر.
شعر المجتمع العربي السنّي بالتماسك، وأعطى للقادمين الجدد كثيراً من الثقة والدعم، ومنحهم حاضنة شعبية كبيرة، ومدداً بشرياً، وهكذا بدأ التنظيم ينمو بسرعة مذهلة، وأرهق الأميركان بعملياته العسكرية -تبعته فصائل مهمة أخرى- فكان أن حظي أيضاً بدعم غير مسبوق من فعاليات عربية وإسلامية كثيرة خارج العراق، بما في ذلك من يساريين وقوميين.
بعد ذلك، بدأ مسلسل الأخطاء الذي أنتجه غرور القوة الذي أصاب التنظيم، فكان تراجعه الأول قبل 2010، ثم عاد إلى ذات النهج بعد سيطرته على الموصل، وهذه المرة في سوريا والعراق، فكانت حربه على العالم كله، والتي كان من الطبيعي أن تنتهي على النحو الذي تابعناه، كما قلنا مراراً منذ إعلان الخلافة على يد البغدادي نفسه.
ليست هذه سيرة للتنظيم، فقد كتبنا عنه الكثير منذ نشأته، لكن حديث يخصّ عودة البعض إلى نظريات المؤامرة من جديد، تماماً كما يصرّون على أن هجمات سبتمبر 2001، كانت مؤامرة، وأن "القاعدة" لم تنفّذها!!