الرئيسة \  مشاركات  \  أولو الألباب ـ6ـ

أولو الألباب ـ6ـ

20.12.2014
الدكتور عثمان قدري مكانسي




"قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (100) المائدة.
المسلم العاقل يتجنب الحرام ويدعه ، ويكتفي بالحلال ويقنع به. فعن القاسم أبي أمامة أن ثعلبة ابن حاطب الأنصاري قال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال النبي صلى الله عليه وسلم" قليلٌ تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه " . فالقليل الحلالُ النافع خير من الكثير الحرام الضارِّ ، وقد جاء في الحديث " ما قلَّ وكفى خيرٌ مما كثر وألهى "
يأمر الله تعالى نبيه المعلّم صلى الله عليه وسلم أن يوضح للمسلمين أنه لا يستوي الخبيث – ولو أعجبتنا كثرتُه - والطيبُ ولو قلَّ فهو الخير والبركة . إنّ الطيّب ينمو ويكبر وأثره إيجابي في حياة الفرد والمجتمع ،
إنَّ كلمة ( قل) توحي أن على العالم أن يكون نبراساً يهتدي به الناس ، يدلهم على الصراط السوي ، ويصحح مفاهيم الحياة ، فينفي خبَثَها ويُثْبت صالحها ، وينبغي أن نوسع دائرة الكلمة ( قل) فيعلمَ الأب أولاده والأخ إخوانه ، والجارُ جيرانه والمرأة زائراتها، فينتشر العلم والمعرفة في المجتمع المسلم ، وما أجمل قول الشاعر:
تعلّمْ ، فليس المرء يولد عالماً .... وليس أخو جهل كمن هو عالمٌ
وقد قال تعالى : "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب" الزمر 9 ولعلنا نُعرِّج على هذه الآية في وقتها. وفي القرآن الكريم ستة عشر آية تبدأ بـ( يسألونك) ويتبعها قوله تعالى : (قل). فما ينبغي للمعلم أن يكتم علماً . وفي الأثر: كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً ولا تكن الرابعة فتهلك . والرابعة ( الجهل).
ولن يستوي الخبيثُ ولا الطيب، لا الحلال ولا الحرام ،ولا المؤمن ولا الكافر، ولا المطيع ولا العاصي ،ولا الرديء ولا الجيد ، ولا العالم والجاهل ، ولا البلد الطيب والبلد الخبيث " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا " الأعراف : 58 ، وقد قال تعالى : " " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " ص : 28 وقوله سبحانه:" أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات " الجاثية :21
وعاقبة الخبيث الخسرانُ وإن كثر، وعاقبة الطيّب النماءُ ولو قلَّ ، فذاك في أتون النار وهذا في الفردوس الأعلى، يقول القرطبي رحمه الله : فالخبيث لا يساوي الطيِّبَ مقدارا ولا إنفاقا , ولا مكانا ولا ذهابا , فالطيب يأخذ جهة اليمين , والخبيث يأخذ جهة الشمال , والطيب في الجنة , والخبيث في النار، وهذا بيُّن .ويقول رحمه الله في تفسيره الرائع لهذه الآية : [فالخبيث من هذا كله لا يفلح ولا ينجب , ولا تحسن له عاقبة وإن كثر , والطيب وإن قلَّ نافعٌ جميل العاقبة . وحقيقة الاستواء الاستمرار في جهة واحدة , ومثله الاستقامة وضدها الاعوجاج ,].
لن يعجبنا – معشر المسلمين – كثرةُ الخبيث ،لكنّ أكثر الناس تحكمهم شهواتهم ورغباتهم الآنيّة التي يحققها الخبيث دون أساس متين ، فيظهر لأولي العقول القاصرة أنه يحقق مآربهم ويُعجبون به ، فيعميهم عن الحق والعمل الطيب ، فيمتنعون عنه وقد يحاربونه، إن الحقَّ ثمين لا يقدر عليه إلا راغبه وقاصده المجتهد، لا يصبر عليه إلا العالمون ذوو القلوب الشفافة والأفئدة الواعية .
فإذا توقفنا عند قوله تعالى " لعلّكم" وجدناها تتوضح في قوله سبحانه ( لعلّكم تشكرون ، لعلكم تُفلحون ، لعلكم تذَكّرون ، لعلكم تعقلون ، لعلّه ...أو يخشى ) فهي في غير كتاب الله ترجٍّ وفي كتاب الله وعدٌ وانتهاء الغاية  ( وصول إلى الهدف) ، ومن لا يودُّ تحقيق هدفه والوصول إلى مأربه؟!.وقد تكون ( لعلّ) تعليلاً كقولنا : اتق الله لعلك تنجو ، والمعنى : لتنجوَ، فتبقى في نطاق الهدف الأول .
ومن صفات أولي الألباب في هذه الاية الكريمة:
1- وعي الأمور وإدراكها : بحيث يعلمون أن الخير والشر متناقضان لا يستويان .
2- البعد عما يضرُّ  والقرب مما ينفع: والخبيث ضار والطيب نافع.
3- واجب أولي الألباب في النصح والتوجيه وتعليم الناس الخير.
4- التحلّي بالتقوى فإنها أسُّ الحياة والنجاة .ولا فلاح إلا بها.والفلاح نجاة من النار وفوز بالجنّة، وقبل ذلك نجاة من غضب الجبار ، وفوز برضاه سبحانه.
أولو الألباب يقرؤون صفحات الحياة واضحة جليّة ، فيأخذون ما ينفعهم في الوصول إلى الهدف المرجوّ ، ويسيرون في دربهم مطمئنين إلى سلامته من كل اعوجاج وانحراف ، فهم على نور من ربهم .....