الرئيسة \  واحة اللقاء  \  دخول الغابة السورية

دخول الغابة السورية

31.08.2016
امين قمورية


النهار
الثلاثاء 30/8/2016
دخول الغابة السورية ليس نزهة ريفية. القدرة على الاقتحام قد تمنحك الشعور بالقوة والمناورة، لكن البقاء طويلاً مع الضواري قد يعرضك للجروح والنزف.
أراد اردوغان من دخول جرابلس شل حركة "داعش" وقطع يد الاكراد وحجز بطاقة الى طاولة المفاوضات وتوفير منطقة آمنة. حمل اليوم الاول من العملية انباء سارة لانقرة، انسحب التنظيم وتراجع الاكراد في ظل تسهيل أميركي روسي. لكن انباء الايام المقبلة قد لا تبعث على السرور وقد تأتي على غير شاكلة. الاكراد ليسوا لقمة سائغة وحرمانهم النشاط غرب الفرات ليس مهمة سهلة. ووقوع التركي في "المستنقع السوري" على حد تعبير القائد الكردي صالح مسلم، هو تهديد ينبغي اخذه في الاعتبار في ظل المتغيرات البالغة السرعة في المشهد السوري. والعصب الكردي في ذروة صحوته ولا يزال مشدوداً ومتحفزاً لاغتنام اللحظة التاريخية التي قد لا تتكرر للانعتاق من قيود سجانيه السابقين، في حين يعاني خصمه المتقدم، الجيش التركي، ارتدادات المحاولة الانقلابية وما تلاها من كسر هيبة وتبديل هيكلية وفصل ضباط وتغيير في الخطط. وهو سياق لا يشجع على خوض أي مغامرات في أرض تتواجه فيها جيوش عدة ولا يجمعها وفاق.
أما "داعش" الذي فضل الانسحاب على المواجهة، فهو لايزال يملك بفعل طيب الاقامة على الحدود والخلايا النائمة في الداخل، قنابل انتحارية بشرية يستطيع تفجيرها وخصوصاً بعدما ضاق عليه الخناق في سوريا والعراق. والجسم التركي لم يشف بعد لا من ندوب تفجيراته ولا من جروح الانقلاب.
واذا كان من درس سياسي يمكن استخلاصه من الازمة السورية، فهو قدرة اللاعبين الكبار على تغيير مواقفهم كتغيير قادتهم ملابسهم تبعاً للاهواء والمصالح. فموسكو تخاصم أنقرة ولا تلبث ان تصالحها، تجذب الاكراد نحوها ثم تبعدهم عندما تراهم أقرب من الاميركيين. كذلك واشنطن تحالف الاكراد على حساب تركيا ثم تردعهم، تطالب برحيل الاسد فوراً وتعمد في الوقت نفسه الى اطالة اقامته في دمشق. ولا غرابة في ظل تبديل المواقف وخلع الملابس وتوريط الاصدقاء ان تعود الحاجة الاميركية أو الروسية الى الكردي كلاعب نشيط يمكن توظيفه في المعادلات المستجدة المحلية أو الاقليمية ولو على حساب التركي مجدداً.
بدخولها جرابلس، تجاوزت أنقرة خطاً أحمر كانت رسمته لنفسها بعدم اقتحام الميدان منفردة، أما وقد حصل فان هذا الدخول المباشر قد يمهد لسيناريوات كثيرة ولا يمكن الجزم بمساراتها، في ظل تواتر المتغيرات المؤثرة والمتوقع ان تتعمق وتزداد في مرحلة الانتخابات الأميركية.