الرئيسة \  واحة اللقاء  \  توافق أميركي-تركي تحت الاختبار

توافق أميركي-تركي تحت الاختبار

20.02.2018
عبدالوهاب بدرخان


العرب
الاثنين 19/2/2018
بدت مصادر أنقرة أكثر تفاؤلاً، غداة المحادثات بين الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، وبعد صدور "البيان المشترك حول الشراكة الاستراتيجية التركية-الأميركية". ويُفترض أن تكون واشنطن برهنت أخيراً ليس فقط "تفهّمها" لمخاوف الحليف التركي، بل ضرورة التعامل مع المخاطر التي يشكو منها وتسبّبت الولايات المتحدة في تفاقمها. ومن الواضح أن "الإيجابية" الأميركية، إذا صدقت هذه المرة، جاءت متأخرة جداً وبعد شهور طويلة جداً من الوعود والتعهّدات التي لم تجد تركيا ترجمة لها على الأرض. ويبقى الأمر مدعاة للمراقبة والحذر بالنسبة إلى كثيرين؛ فالأميركيون أنشؤوا أمراً واقعاً في شمال سوريا قد لا يقدّرون جيداً تقلّباته المحتملة، وبالتالي قد لا يتمكّنون من إبقائه تحت السيطرة، خصوصاً إذا شعر الأكراد بأن واشنطن قد تخفّض التزامها تمكينهم من إقامة دولة أو كيان خاص بهم.
لا شك أن النقاط الأربع التي أبرزها البيان المشترك مهمة لتحديد تفاهم الدولتين، سواء في شأن التزام وحدة سوريا ومكافحة الإرهاب (بكل أنواعه) أو في ما يتطلّبه أمنهما، بل الأهم تأكيد "وقوفهما بحزم ضد كل محاولات التغيير الديموغرافي وفرض الأمر الواقع في سوريا". فهذه العناوين المبدئية تصلح لعمل مشترك وفقاً لآليات قال الجانبان إنهم سيضعانها في أقرب وقت. وفي مصلحتهما أن يتحركا سريعاً؛ لأن الساحة السورية كثيرة الأفخاخ بسبب التعقيدات المتزايدة للصراع الميداني، كذلك بسبب تعدد الأطراف المتدخلة التي تسعى بشكل محموم إلى تثبيت مصالح لها في هذا البلد. وإذا كانت تركيا مهتمة تحديداً بالوضع العسكري للأكراد، فهي تعلم مثلاً أن توافقها العام الماضي مع إيران ضد انفصال كردستان العراق قد لا يسري على أكراد سوريا، ولا سيما الموالين لـ "حزب الاتحاد الديمقراطي" (ي. ب. ك)؛ فهؤلاء كانوا من 2011 حتى 2015 ينسّقون بشكل كامل مع استخبارات النظامين السوري والإيراني، ثم أنشؤوا علاقة مع القيادة الروسية، ورغم تطوّر علاقتهم مع الأميركيين لم تنقطع صلاتهم مع الأطراف الأخرى، فهم يعملون مع من يساعدهم في أهدافهم.
يقول الأتراك إنهم لاحظوا تغييراً في الموقف الأميركي تجاه ميليشيا "الاتحاد الديمقراطي"؛ فمدير الاستخبارات الوطنية الأميركية دانيال كوتس أقر قبل أيام بأن تنظيم "ي. ب. ك" هو "ميليشيا بي. كي. كي" (تابعة لحزب العمال الكردستاني المعادي للدولة التركية)، وأنه "يسعى إلى اقامة منطقة مستقلة". لم يكتشف الأميركيون ذلك الآن؛ فقد تعاملوا مع التنظيمين، وتلقوا من أنقرة الكثير من الوثائق والأدلة، لكن حاجتهم إلى مقاتلين ضد تنظيم "الدولة" جعلتهم يتجاهلون الاعتراضات التركية ويتغاضون عن كون أعداد كبيرة من المقاتلين الذين دربوهم وسلحوهم كانوا من أكراد تركيا، الذين أصبحوا جاهزين لتشكيل خطر على الأمن الوطني التركي.
إذا أُضيف هذا الخطر الوشيك إلى الملفات الأخرى الساخنة (المحاولة الانقلابية، والمعتقلين، و"جماعة غولن") بين الدولتين، يمكن فهم الغضب التركي الذي بلغ حد التهديد بفك العلاقة الاستراتيجية المزمنة. مع ذلك، سيبقى الاختراق الذي تم مع تيلرسون موضع اختبار، بداية من "منبج" المدينة العربية التي أصبحت نموذجاً آخر لـ "التغيير الديموغرافي" .. وتعاني كالرقة وغيرها من ممارسات كردية تُوصف بـ "العنصرية". فثمة تصحيح عاجل مطلوب من الأميركيين لرعايتهم للأكراد، إذا كانوا يريدون حقاً إحداث فارق في العلاقة مع تركيا.;