الرئيسة \  تقارير  \  “فورين بوليسي”: ماذا نعرف عن التحالف الذي تقوده روسيا واستغاث به الرئيس الكازاخي؟

“فورين بوليسي”: ماذا نعرف عن التحالف الذي تقوده روسيا واستغاث به الرئيس الكازاخي؟

10.01.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الاحد 9/1/2022
هذه الاحتجاجات غير مسبوقة في كازاخستان، البلد الغني بالنفط، والأمر الآخر غير المسبوق هو نشر قوات من منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) بقيادة روسيا في البلاد لأول مرة
نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرًا لإيمي ماكينون، مراسلة الأمن القومي والاستخبارات في المجلة الأمريكية، تحدثت فيه عن التساؤلات التي تدور في أذهان المتابعين حول تدخل التحالف بقيادة روسيا في كازاخستان على ضوء الإيضاحات التي أدلت بها منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
احتجاجات غير مسبوقة
استهلت الكاتبة تقريرها بالقول: وصل آلاف الجنود من التحالف الأمني بقيادة روسيا إلى كازاخستان في السادس من يناير (كانون الثاني) بناءً على طلب من رئيس البلاد، الذي تعهد باستعادة النظام وسط تصاعد الاضطرابات التي أسفرت عن مقتل عشرات المتظاهرين، وفقًا لتقديرات الشرطة المحلية.
وكانت الاحتجاجات قد اندلعت في الثاني من يناير على إثر ارتفاع أسعار الوقود لكن سرعان ما انتشرت شرارتها في أنحاء البلاد، مدفوعةً بمظالم طويلة الأمد بشأن الفساد وعدم المساواة. واشتبك المتظاهرون في العاصمة السابقة للبلاد ألماتي، مع الشرطة وأضرموا النيران في المباني الحكومية، وأعلن رئيس كازاخستان، قاسم جومارت توكاييف، الجمعة أنه سمح باستخدام القوة ضد المتظاهرين.
وهذه الاحتجاجات غير مسبوقة في كازاخستان، البلد الغنية بالنفط والتي تُعد أغنى دول آسيا الوسطى، والتي حُكمت بيد من حديد على مدار العقود الثلاثة الماضية. والأمر الآخر غير المسبوق هو نشر قوات من منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) بقيادة روسيا في البلاد لأول مرة منذ تأسيس هذه المنظمة. وأثار إرسال 2500 جندي من الحلف مخاوف من أن موسكو قد تستخدم الأزمة لتعزيز نفوذها على كازاخستان التي لطالما رسمت خطًّا حدوديًّا دقيقًا يفصل روسيا عن الغرب.
وقالت جينيفر بريك مورتازاشفيلي، الخبيرة في شؤون وسط وجنوب آسيا في جامعة بيتسبرج: “هذا يعني أن كازاخستان تخلت عن سياستها الخارجية المتعددة الاتجاهات؛ إذ كان هناك توازن بين الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”. وأذهل قرار الرئيس الكازاخي باستدعاء قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي عديدًا من الكازاخيين والمراقبين الدوليين، لأنه في حين كان هذا الاتحاد موجودًا منذ ما يقرب من 30 عامًا، فإنه ظل بعيدًا عن الأنظار خارج حدود المنطقة، وهنا نوضح ثلاثة أشياء عليك معرفتها حول هذا التحالف، وما يجعل انتشاره في كازاخستان أمرًا بالغ الأهمية.
ما هي منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)؟
تجيب الكاتبة موضحةً أنه في عام 1992، وفي أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، اجتمع عدد من أعضاء رابطة الدول المستقلة، وجميعهم أعضاء سابقون في الكتلة السوفيتية، ووقَّعوا اتفاقية دفاع متبادل عرفت باسم معاهدة الأمن الجماعي، وهي نسخة أصغر وأقل تأثيرًا من معاهدة وارسو التي وُقِّعت إبان الحرب الباردة، ومنذ ذلك الحين دخل عدد من الأعضاء وانسحب آخرون حتى عام 2002 حيث أُعيد تشكيل هذه المعاهدة لتصبح منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وحصلت على صفة مراقب في الأمم المتحدة بعد ذلك بعامين، وإلى جانب روسيا، تضم المنظمة حاليًا خمسة أعضاء آخرين هم: طاجيكستان، وقرغيزستان، وأرمينيا، وبيلاروسيا، وكازاخستان.
وكما هو الحال مع حلف الناتو، تستند معاهدة الأمن الجماعي على مبدأ الدفاع الجماعي: إذ يُعد الهجوم الذي يستهدف دولة من الدول الأعضاء هجومًا على جميع أعضاء التحالف، ويُجري التحالف أيضًا تدريباتٍ عسكرية مشتركة ويسهل مبيعات الأسلحة بين الدول الأعضاء، إلا أنه في السنوات الأخيرة بدأ الإحساس بالهدف الذي وُضِع التحالف من أجله يضعف، ففي منطقة ليست غريبة على الثورات العرضية والمناوشات الحدودية، استجابت المنظمة لأول مرة في تاريخها الممتد لنحو 30 عامًا لطلب المساعدة من إحدى الدول الأعضاء هذا الأسبوع، وكانت المنظمة قد رفضت التدخل في الاضطرابات الحاشدة التي شهدتها بيلاروسيا عام 2020، وكذلك رفضت التدخل أثناء تجدد القتال بين أرمينيا وأذربيجان في العام نفسه.
وأعلن رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الرئيس الحالي لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، الأربعاء أن الحلف سيرسل 2500 جندي “حفظ سلام” استجابة لطلب المساعدة الذي تلقته المنظمة من توكاييف، وأنه فعل ذلك وفقًا للمادة الرابعة من معاهدة المنظمة والتي يمكن تفعيلها في حال وقوع هجوم ضد أي من الدول الأعضاء يهدد سلامتها أو استقرارها أو مكانتها الإقليمية.
وفي حين أشار باشينان إلى “تدخل خارجي” في كازاخستان عبر منشوره على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” الذي أعلن فيه عن نشر قوات الحلف، فإنه لا يوجد دليل يشير إلى تورط جهات أجنبية في إثارة الاضطرابات التي تشهدها البلاد، بحسب تقرير المجلة، ولكن القادة في جميع أنحاء هذه المنطقة، لا سيما في روسيا، دائمًا ما يصفون هم والمسؤولون في البلاد أي تحدٍّ داخلي لحكمهم على أنه مؤامرة غامضة من إحدى وكالات الاستخبارات الغربية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخبراء يعتقدون أن المجرمين والعصابات ذات العلاقات السياسية ربما اغتنموا فرصة الاحتجاجات الأولية لتأجيج الاضطرابات. وقالت نارجيس كاسينوفا، الزميلة البارزة في مركز ديفيس للدراسات الروسية والأوراسية بجامعة هارفارد، في فعالية للمجلس الأطلسي يوم الجمعة: “لا ينبغي أن نطلق على كل هؤلاء الناس اسم محتجين”.
ما الذي يعنيه إرسال 2500 جندي حفظ سلام؟
تقول الكاتبة إنه في كازاخستان التي تبلغ مساحتها مساحة أوروبا الغربية تقريبًا، قد لا يبدو إرسال 2500 جندي حفظ سلام أمرًا مهمًّا، ولكن حقيقة أن توكاييف كان سريعًا جدًّا في طلب المساعدة من المنظمة يشير إلى تغير كبير في السياسة الخارجية التي انتهجتها كازاخستان على مدى 30 عامًا.
تقول جنيفر مورتازاشيفيلي: “من الناحية الرمزية، هذا أمر كبير عندما تطلب من دولة أخرى أن تأتي لتطلق النار على مواطنيك”، وأضافت: “إن دعوة قوات أجنبية للدفاع عن المؤسسات الكازاخية ضد مواطنيها يثير أسئلة عميقة حول السيادة في البلاد”، ولا يزال هناك عديد من الأسئلة التي تُطرح، ومنها مسارعة الرئيس إلى طلب الدعم الخارجي وهل هناك صراعات داخلية على السلطة وهي التي أسهمت في اتخاذ هذا القرار أم لا. وقالت جنيفر: “أعتقد أن السؤال الذي نطرحه هنا هو: هل الرئيس توكاييف لا يثق بالجيش؟”.
وفي لمحة تاريخية، تشير الكاتبة إلى أن توكاييف، الدبلوماسي السابق، أصبح رئيسًا للبلاد عام 2019 بعدما تنحى الديكتاتور الكازاخي، نور سلطان نزارباييف، في عملية انتقال للسلطة مدارة بعناية، وظل نزارباييف في دائرة الضوء بصفته رئيسًا لمجلس الأمن في البلاد حتى يوم الأربعاء الماضي، عندما أعفاه توكاييف من مهامه، وذكرت القناة التلفزيونية الروسية المستقلة (Dohzd) يوم الجمعة أن قادة كازاخستان توقفوا عن الإشارة إلى عاصمة البلاد باسم نور سلطان، التي غُير اسمها السابق أستانا إلى نور سلطان مؤخرًا تمجيدًا لنزارباييف، في إشارة محتملة إلى أن الرئيس السابق قد فقد شعبيته.
وفي حديثه إلى تلفزيون خبر 24 الكازاخي في اليوم نفسه، قال دورين أباييف، نائب رئيس الإدارة الرئاسية في البلاد، إن قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي أرسلت لحماية المباني الحكومية، ولن تشارك مباشرة في العمليات ضد المتظاهرين، ولكن نشر القوات أثار مخاوف من احتمال بقائها في البلاد؛ إذ أنه بمجرد نشر هذه القوات، فإن قوات حفظ السلام الروسية لديها عادة البقاء في المكان وعدم الخروج منه، فقوات حفظ السلام الروسية التي انتشرت في المناطق الانفصالية في جورجيا ومولدوفا في أوائل التسعينيات لم تبرح مكانها حتى اليوم.
وحذَّر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، يوم الجمعة، من الخلط بين الأزمة في كازاخستان والحشد العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، وفي حديثه عن نشر قوات حفظ سلام روسية في كازاخستان، قال: “أحد الدروس المستفادة من التاريخ الحديث هو أنه بمجرد أن يدخل الروس إلى منزلك، يصعب أحيانًا حملهم على المغادرة”.
وأندريه سيرديوكوف، الجنرال الروسي برتبة أربع نجوم قائد قوات المنظمة في كازاخستان، هو من قاد القوات الروسية أثناء ضم شبه جزيرة القرم، وقاد كذلك القوات الروسية في سوريا.
ما الذي يعنيه نشر القوات لكازاخستان والمنظمة؟
ترى الكاتبة أنه بعد أقل أسبوع من اندلاع الأزمة يبدو من الصعب معرفة الاتجاه الذي ستذهب إليه الأمور بالضبط، وكيف سيؤثر ذلك في جهود كازاخستان التي استمرت على مدى عقود لتحقيق التوازن بين علاقاتها مع الصين وروسيا والغرب.
وأشار توكاييف في سلسلة تغريدات له نشرها باللغة الإنجليزية يوم الجمعة، مبررًا قراره أن “سياسة الأبواب المفتوحة للاستثمارات الأجنبية المباشرة ستظل هي الإستراتيجية الأساسية في كازاخستان”، في محاولة واضحة منه لتهدئة الشركاء الحذرين.
ويمكن أن يكون نشر قوات حفظ السلام الروسية تحت مظلة المنظمة بالون اختبار فعَّالًا للكرملين وقدرته على قلب الأحداث في المنطقة لصالحه دون التورط في مستنقعاتها، وفي حديثه في فعالية للمجلس الأطلسي، قال السفير الأمريكي السابق لدى كازاخستان، وليام كورتني، إن ما يثير القلق هو مراقبة جدوى تركز القوات الروسية في المناطق الشمالية من كازاخستان، والتي تضم عددًا كبيرًا من السكان ذوي الأصول الروسية، والتي كانت منذ مدة طويلة تثبيتًا للقوميين الروس.
وتختم الكاتبة مع الصحافي كيسي ميشيل، الذي أشار في كتاباته في مجلة “فورين بوليسي” إلى أن تكرار روسيا ضم شبه جزيرة القرم أو غزو أوكرانيا هو أمر غير مرجح، ولكن يلاحظ ميشيل أنه في ضوء الأحداث غير المسبوقة هذا الأسبوع فإنه “في الوقت الحالي، يبدو أن موسكو وتوكاييف وحلفاءه يركزون بالأساس على دعم النظام وسحق أي احتجاجات أو أفكار للإصلاحات الديمقراطية، ولكن بالنظر إلى التغير المفاجئ على الأرض في كازاخستان في غضون بضعة أيام، فإن الاحتمالات التي استُبعِدت سابقًا عادت لتصبح في المقدمة”.