الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الملف السوري بين واشنطن، طهران، موسكو وتل أبيب

الملف السوري بين واشنطن، طهران، موسكو وتل أبيب

10.03.2019
فؤاد حميرة


زمان الوصل
السبت 9/3/2019
تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول اتفاقه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخصوص اتفاقهما على إخراج القوات الأجنبية من سوريا لم يأت لأغراض الاستهلاك الإعلامي أو من بواعث دعائية انتخابية كما تروّج بعض وسائل الإعلام، فالأمر جدّي إلى أبعد درجة ذلك أن كلا الطرفين لديه أسبابه لإخراج إيران من سوريا وكلام نتنياهو عن إخراج القوات الأجنبية لا يعني بالضبط إلا التواجد العسكري الإيراني، لكن العبارة ديبلوماسية بحتة هدفها التغطية على الاتفاق الحقيقي منعا لإحراج روسيا مع طهران.
ومن غرائب الأمور في السياسة أن واشنطن تعلن نهارا جهارا نيتها في العمل على إخراج القوات الإيرانية من سوريا، إلا أنها في الحقيقة تسعى لإبقاء هذه القوات أطول فترة ممكنة لما تسببه من منغصات سياسية وعسكرية للوجود الروسي في سوريا من هنا يبدو تلاقي المصلحة الإسرائيلية –الروسية واضحا هذه المرة وصادقا في السعي لتحقيق طرد عسكري للتواجد الإيراني على الأراضي السورية.
قبل انسحاب القوات السورية من لبنان كان الوجود السوري عاملا منغصا للسياسة الإيرانية وكان الأسد الابن يتسبب بالكثير من المتاعب للإيرانيين في لبنان والعراق على السواء، فوضعت طهران خطة لسحب الملفات الإقليمية الهامة من يد النظام السوري عبر السعي لإخراج قواته من سوريا بعد تواجد استمر قرابة الثلاثين عاما، فكان خروج الأسد مُذلا ومدويا وعاملا في تحجيم دور الأسد الإقليمي وفي ذات الوقت دفع بالإيرانيين لتصدر المشهد الإقليمي ويبدو أن ذات الخطة يجري الإعداد لها الآن في كل من موسكو وتل أبيب رغم معارضة واشنطن وتحفظها، فمن السذاجة السياسية تصديق تصريحات المسؤولين الأميركيين حول تحجيم الدور الإيراني في المنطقة، ذلك أن واشنطن تحتاج لقوة إيران ونفوذها للوقوف في وجه التمدد التركي أولا، إضافة إلى أن التواجد الإيراني يمكن استثماره لاحقا في الضغط على الروس لتحقيق مكاسب سياسية في الملف السوري، وهكذا تتلاقى المصلحة الإيرانية مع مثيلتها الأميركية في حين تمر مصالح تل أبيب في حالة من التنافر الحاد مع مصالح واشنطن، ذلك أن إسرائيل أكثر من يفهم خفايا السياسة الأميركية وأكثر من يعرف كيف يقرأ ما يقوله المسؤولون الأميركيون في العلن وما يقصدونه في السر وهذا في الحقيقة ما يشكل مصدر قلق لدى الساسة الإسرائيليين، فتكررت زيارات نتنياهو إلى موسكو وتكثفت اللقاءات بين الطرفين في ظل برود لا يخفى على كل ذي بصيرة يلف العلاقات بين تل ابيب وواشنطن.
في المقلب الآخر تتنافر المصلحة الروسية –الإيرانية في الملف السوري، فكلا الطرفين يريد أن يكون صاحب الكلمة الأعلى وصاحب التأثير والنفوذ الأقوى وليس أدل على الخلل وتضارب المصالح بين الطرفين تلك الزيارة المفاجئة التي قام بها رأس النظام السوري إلى طهران، وما تسببت به من مشاكل بين المسؤولين الإيرانيين كان من نتائجها التي خرجت إلى العلن تقديم وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف استقالته من منصبه ولعلها المشكلة الوحيدة التي لم يستطع الإيرانيون إخفاءها فعلى ما يبدو أن هذه الزيارة أفرزت مشاكل أخرى غير معلنة داخل الأوساط السياسية الإيرانية وتأتي زيارة نتنياهو إلى موسكو بعد أسبوع على زيارة الأسد لطهران لتؤكد ما نذهب إليه من أن الأسد يريد التنسيق مع الإيرانيين وأنه يميل للجانب الإيراني أكثر من الجانب الروسي كون الإيرانيين هم الأضعف عسكريا واقتصاديا وسياسيا، وبالتالي يستطيع أن يتمتع بهامش أوسع في اتخاذ القرارات خاصة وأن الأسد يتلمس منذ التدخل الروسي هزالة موقفه وضعف سيطرته حتى على الدائرة القريبة جدا من محيطة الأمني والسياسي والعسكري، فالأسد وبعد ما يعتبره انتصار له على الأرض يحتاج إلى دولة أضعف تعطيه هامش التحرك الذي يريد خاصة وأن المسؤولين الروس وعلى رأسهم بوتين نفسه كانوا قد أعلنوا مرارا أن دعمهم للأسد ليس أبديا (الأسد ليس ملاكا ولن نستمر في دعمه إلى ما لا نهاية) هذا ما قاله بوتين حرفيا قبل أيام معدودة وهو تصريح لا بد وأنه هز أركان النظام وعمق مخاوفه من تبدلات محتملة في الموقف الروسي اتجاه بقاء النظام في السلطة، أما الإيرانيون، فقد أعلنوا العكس وقالوا صراحة إنهم على استعداد لدعم الأسد إلى ما لا نهاية.
تصريحات نتنياهو ستشكل علامة فارقة في سياسات المنطقة ككل وينبغي عدم المرور عليها سريعا، فهي تحمل في طياتها تشكيلات جيوسياسية جديدة في المنطقة وما خفي كان أعظم.