الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جحيم الغوطة لا يزال مستمرًا

جحيم الغوطة لا يزال مستمرًا

05.03.2018
إبراهيم العلوش


عنب بلدي
الاحد  4/3/2018
لم تنفع صرخة، أنطونيو غوتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن الدولي، إذ لم تستجب لها روسيا ولا إيران، وبالتالي لم يستجب خادمهما نظام الأسد لصرخة الأمين العام، ولا لنداءات المجتمع الدولي لوقف الجحيم والقصف على أهلنا في الغوطة.
وعلى الرغم من موافقة روسيا على القرار الدولي 2401 بوقف القصف على الغوطة لمدة ثلاثين يومًا، وفتح الطرق للمساعدات الإنسانية، وإجلاء المرضى والمصابين بأسرع وقت، وعدم استعمال الفيتو الثاني عشر ضد السوريين، فإن طائراتها وقادتها العسكريين تدفع بالقصف إلى أقصى مداه ضد الغوطة الشرقية وأهلها.
روسيا مشغولة عن الجانب الإنساني في الغوطة بتجريب أسلحتها، والانتقام من السوريين الذي يرفضون ألاعيبها التفاوضية التي جربها السوريون مع النظام وأجهزة مخابراته الخادعة، وقد تكون مشغولة بالثأر لمرتزقتها الثلاثمئة الذين سقطوا بين قتيل وجريح، وهم يحاولون الاستيلاء على حقل الغاز (كونيكو) في دير الزور. ناهيك عن أن الجانب الإنساني ليس في وارد حساباتها على الأقل خلال المئة سنة الفائتة، حيث مارست الأنظمة الروسية شتى أنواع التشريد والتدمير والقهر ضد شعوبها، وضد شعوب أوروبا الشرقية، وتاريخها حافل بفرض الديكتاتوريات على جوارها الجغرافي، وعلى الدول التي تتبع لها، ولعل تدمير غروزني ما هو إلا عيّنة نموذجية للسياسة الروسية، ومنتج نوعي ومهم من منتجات جيشها وصناعتها العسكرية.
إيران تغوص في أوهام التاريخ، وتعتبر أن كل أهل الشام لا يزالون يعيشون في عصر عدوها عمر بن الخطاب، أو معاوية بن أبي سفيان، وهم الذين دمروا الدولة الساسانية، ولا يستحق هؤلاء الأحفاد إلا القتل، والتهجير، والتنكيل بهم، وما حجة الحسين وزينب إلا أكذوبة سياسية، وغطاء طائفي لحقد دفين على السوريين الذين لا يزالون يفتخرون بأن دمشق كانت عاصمة الأمويين.
وعلى أرض الواقع فإن الإيرانيين يصرّون على الاستيلاء على الغوطة، وتطويق مطار دمشق الدولي، لإعادة إنتاج هيمنتها على الحياة العامة السورية في المستقبل، على شاكلة استيلائها على مطار بيروت الدولي، وتحكمها ببيروت من خلال مربعها الأمني في الضاحية الجنوبية، وهو ما تعمل فعليًا على ترسيخه في منطقة السيدة زينب ومحيط المطار، وهي تحلم بضم الغوطة الشرقية إلى نفوذها.
وعلى الرغم من أن روسيا حاولت أن تزج بعميلها النمر (سهيل الحسن) في المعارك، دعمت إيران قوات عميلها ماهر الأسد وقوات الغيث بقيادة العميل “غياث دلة”، التابعة للفرقة الرابعة، بالإضافة لميليشياتها، للسيطرة على الغوطة الشرقية، والتي قد يجعلها القصف المتواصل والحصار ثمرة ناضجة تسقط في أفواه ملالي إيران.
ولكن ما يهمنا أكثر في عناصر تنفيذ هذه المقتلة العلنية لأربعمئة ألف من سكان الغوطة، هو بعض السوريين في مناطق حكم النظام، ومثقفو النظام الذين يشكلون بطانة نسيج المخابرات، وكذلك من يسمون أنفسهم بالعقلانيين، وهم جميعًا يديرون ظهورهم عن القتل اليومي في الغوطة وفي غيرها، بانتظار انتهائه العاجل كما وعدوهم، وينتظرون انتهاء عملية الاغتصاب التي تجري في الغرف الأخرى من بيوتهم، ويتشاغلون ببعض الأكاذيب والإشاعات، ريثما يخرج المغتصب لإحدى نساء عائلاتهم، وينتهي من فعله الشنيع بأسرع ما يمكن!
الكاتب والسيناريست قمر الزمان علوش يبرر المقتلة، وهو يستشهد بأقوال بشار الجعفري، ويشيد بحنكته الدبلوماسية وببعد نظره الذي يعتبر أن كل من يعارض الأسد هو إرهابي، وحتمًا لن يثبت العكس.
إلياس مراد عضو مجلس الشعب الأسدي يرد على مراسل البي سي سي بأن “البراميل المتفجرة هي أكاذيب ونحن نضرب الإرهابيين بدقة”. وفعلًا لقد تم تدمير كل سوريا بدقة!
السوريون الذين لا يزالون يبررون القتل، ويوجِدون مبررات لاستمراره، لا يقلون خطرًا عن قذائف المدفعية الأسدية، ولا عن صواريخ الطائرات الروسية، ولا عن حصار الميليشيات الطائفية، هؤلاء هم الحاضنة الحقيقية لعملية تدمير سوريا، والحاضنة الإرهابية لجماعة زراعة البطاطا في المدن السورية المدمرة. وهم يعتبرون أنفسهم زورًا وبهتانًا، بأنهم علمانيون ويحاربون التطرف الديني (عدا الميليشيات الإيرانية والحواجز الطائفية والتعذيب والتهجير بدوافع الترسيخ الطائفي).
ما لم يتم وضع حد لأكاذيب هذه الطبقة السياسية، والثقافية، والميليشياوية، فإن هذه الحرب وهذا الدمار لن يتوقف، فهذه الطبقة الخانعة بإرادتها وبكامل بنيتها الثقافية، هي الحاضن أيضًا لاستمرار الاحتلال الروسي والإيراني للبلاد السورية، وحتى لو أعلنت هذه الطبقة انتصارها الكاذب فإنها ستكون الأرضية المناسبة لتأسيس دمار آخر لسوريا ولشعبها، وخلال سنوات قليلة من وقف الحرب، هذا إن توقفت الحرب عاجلًا.
فالخضوع وعقلية التبعية وتبرير الإجرام هو ما يشجع هذه الجيوش الأجنبية على الاستمرار بتدمير لسوريا، وهو ما يدفع المحتلين الى الاستهانة بالسوريين سواء كانوا معها أو ضدها، وما مثال تحقير المحتل الروسي لبشار الأسد نفسه إلا عينة مما هو قادم على أيدي هذه الطبقة السياسية، والتي تقود وتبشر بالعودة إلى النظام الأسدي كما بناه “القائد التاريخي الخالد” حافظ الأسد، وبطريقة التدمير البنّاء، الذي يضمن استمرار عائلة الأسد ولو فوق كومة من الركام!
أخيرًا.. وبعد حوالي أسبوع من صدور القرار 2401 أعلن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة مارك لوكوك، أن المنظمة وهيئاتها الإغاثية لم تتمكن من مساعدة أهالي الغوطة في جحيمهم المستمر. وأيضًا وبمناسبة هذا القرار، وهذا الحصار، أعلن حزب الله عن إطلاق لعبة الكترونية باسم “الدفاع المقدس”، وهي تتيح للاعبيها التسلية بقتل المزيد من السوريين، بأسلحة إيرانية، وتحت غطاء من الطائرات الروسية.