الرئيسة \  قطوف وتأملات  \  وجيز التفسير ( فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ )

وجيز التفسير ( فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ )

08.09.2019
زهير سالم




وفي معنى التدلية أقوال ..
ومنها ما ذكره القرآن على لسان الشيطان  ( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ )
وفي الآية المستشهد بها دلالة أن آدم من ساعة ما وعى سجود الملائكة له ما زال مبهورا بهم . فهو يعلم أنهم سجدوا له بالأمر ، وصورهم الملائكية ما تزال تراود مخيلته ومخيلة أبنائه وبناته من بعد  ( وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) وإنه ليحضرك سؤال عن سر الهيئة التي يقابل فيها الإنسانُ الملك .  ( جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ ..)
المعنى الرديف اللطيف في الآية قوله تعالى :  ( أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) فآدم وحواء عليهما السلام ، اللذان كانا لم يدركا معنى " السوأة " بعد ، كانا قد أدركا معنى الخلود والبقاء السرمدي وبالتالي معنى الموت والفناء . إشارة في هذه الآية تحتاج منا إلى كثير من التأمل والتدبر . إذن الغرور الذي استثمر فيه الشيطان في خداع أبوينا ، وفي التغرير بهما هو استثارة الطمع في الصيرورة إلى رتبة وقر في كينونتيهما أنها أعلى وما هي بأعلى، وهذا ما يحصل مع كثير منا ، حين يتمنى صاحب العقل مثلا مكانة صاحب المال ، وصاحب العلم مكانة صاحب السلطان ، وصاحب الصحة والقوة مكانة صاحب الجاه على ما يكون فيه من ضعف ومرض .
وأما الخلود فهو الحلم الذي ما يزال يراود كينونتنا الأولى ، والذي هو عتبتنا للإيمان باليوم الآخر وبكل قيم الحق والخير والإحسان .. والذي جعل من تعريفات الإنسان أنه " حيوان ديان " فالدين أصل أصيل في تكوين وتمييز المجتمعات الإنسانية حتى الأكثر بدائية منها .
ومن معاني التدلية المؤكدة للمعنى الأولى أيضا قوله تعالى  (ي َعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا ..) والآية هنا أكثر إجمالا من سابقتها في تفصيل أو تحديد حقيقة الوعد وحديث الأماني .
وللمفسرين في معاني قوله تعالى  ( فَدَلاَّهُمَا ) أقوال أخرى منها ..
أنه ظل يراجعهم القول مرة بعد مرة بعد مرة بتزلف وتودد ولسان أحلى من العسل ، يهون عليهم المعصية ، ويجرؤهم عليها ، ويسميها بغير اسمها . فهم لم يهجموا على المعصية من " الوسوسة " الأولى . وانتبه إلى تكرار الواو والسين في كلمة  ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لّا يَبْلَى ..) وفي الآية تركيز على عقدة الشعور بالفناء والشوق العارم للخلد والبقاء . في معنى التدلية اللغوي هذا تقول العرب " وما زال يفتله في الذروة والغرب " والقول كناية على الإلحاح والتلطف في عملية الإقناع بخير كان الإقناع أو بشر فهذا معنى أول للتدلية حسب أقوال المفسرين ..
والقول الثاني مشتق من قولهم : دلّى الدلو في البئر ..
ولما كانت دعوة إبليس دعوة إلى الهبوط والتسفل والانحطاط والانحدار والتخلي فقد جعل من غرور أبوينا " طموحهما و طمعهما - " حبلا أوثقهما به ثم دلاهما فكان الانحدار أو الهبوط الأول الذي سبق الهبوط من الجنة .. فاحذر
 ( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ )
لندن : 8 / محرم / 1441
7/9 / 2019
ــــــــــ
*مدبر مركز الشرق العربي