الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مجلس "الشعب المتجانس".. انتخابات لا أحد ينتظر نتائجها

مجلس "الشعب المتجانس".. انتخابات لا أحد ينتظر نتائجها

22.07.2020
عبد الباسط عبد اللطيف



سوريا تي في
الثلاثاء 21/7/2020
على عكس كل انتخابات الدنيا لا أحد في سوريا ولا خارجها ينتظر نتائج المسرحية التي يصرُّ النظام على تنظيمها ويسميها انتخابات مجلس الشعب، حتى المترشحون المتنافسون أنفسهم لا ينتظرون النتائج، فما الذي أوصل ذلك الصرح العريق الذي قاوم الاحتلال الفرنسي وأنجز الجلاء وقدّم الرجال العظام إلى ساحات خدمة الشأن العام، ما الذي أوصله إلى هذا الدرك؟
الداخل والخارج يعرف مسبقاً نتيجة هذه المسرحية الممجوجة، وهنا لا يستقيم أن يكون المقصود بالداخل والخارج هو الشعب السوري والمجتمع الدولي، لأن نصف الشعب السوري مهجّر في الخارج كما أن الداخل بات يضم كل أشكال الوجود الطاغي للخارج خاصة الاحتلالين الروسي والإيراني، ولكن جميع هؤلاء يدركون جيداً أن هذا الذي يسميه النظام مجلس الشعب ليس سوى ديكور هزيل لم يعد يصلح لتجميل وجهه القبيح وأن ما يسميها انتخابات لا تعدو كونها مساحيق لن تزيد لونه إلا بهتاناً ولا صفحته إلا اسوداداً.
تعاقب على سوريا في عهد آل الأسد اثنا عشر دوراً تشريعياً واثنا عشر رئيسَ وزراء ، وتغير في سوريا كل شيء وما تغيرت الحال إلا إلى الأسوأ، الثابت الوحيد على مدى أكثر من نصف قرن كان آل الأسد وأجهزة القمع الأمنية، وفي لحظة الحقيقة ومع انطلاق ثورة الحرية والكرامة وعندما خرجت سوريا من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها لتقول لهم كفى، اكتشف بشار الأسد أن المشكلة في سوريا هي الشعب وأعلن حربه عليه من تحت قبة مجلس الشعب في 30 آذار2011 ، الحرب التي أفضت إلى تهجير نصف الشعب وإلى ملايين من الضحايا، كما تسببت في تدمير البلاد وتسليم سيادتها وأرضها ومقدراتها للقوى الأجنبية.
بات مسمى مجلس الشعب يرتبط لدى السوريين بمشهدَين، الأول مشهد الفترة التي سبقت انقلاب النظام وما تبعه من إلغاء للحياة السياسية، تلك الفترة التي كان فيها البرلمان رمزاً لتوحيد سوريا ولحياة سياسية تعددية ولحالة وطنية تصدت للاحتلال الفرنسي ولمحاولات التقسيم وللانقلابات، تلك حقبة الرجال الذين دخلوا التاريخ حقبة فارس الخوري وهاشم الأتاسي وسعد الله الجابري وغيرهم.
في هذه الحقبة لا أسماء تستحق الذكر من بين كل جوقات التطبيل التي تعاقبت على مقاعد مجالس الأب والابن، التي لا تعدو أن تكون إهانة لإرادة الشعب ولتقاليد السلطة التشريعية والعمل البرلماني
والمشهد الثاني هو مشهد مجلس التصفيق الأسدي وأبرز ما علق في ذاكرة الشعب السوري من هذه الصفحة السوداء صيحة أحد المهرجين في المجلس إلى الأبد يا حافظ الأسد، وتعديل الدستور بدقائق لإنجاز التوريث لابنه، الذي شهد المجلس في عهده البائس مقولة "قليل عليك سوريا يا بشار الأسد"، في هذه الحقبة لا أسماء تستحق الذكر من بين كل جوقات التطبيل التي تعاقبت على مقاعد مجالس الأب والابن، التي لا تعدو أن تكون إهانة لإرادة الشعب ولتقاليد السلطة التشريعية والعمل البرلماني.
لهذا كله ولسواه لا أحد ينتظر نتائج الانتخابات المهزلة التي كلّفت فيها أجهزة الأمن، بعض شبيحة الميليشيات وشبيحة الإعلام وشبيحة الاقتصاد بأداء دور المتنافسين ريثما تعدُّ قوائم من تقع عليهم مهمة العمل كأعضاء مجلس التصفيق مكافأة لهم على ما أثبتوه من إجرام وفساد في مهامهم الأمنية والحزبية السابقة والتي باتوا أهلاً ليترقَوا بعدها إلى مهام  جديدة يضعون فيها خبرة العمر في التطبيل والفساد.
المرشحون اليوم قادة ميليشيات متورطون في قتل السوريين، ومهربون يعتقدون أنهم أصبحوا رجال أعمال، وإعلاميون ينتظرون المكافأة على موهبة التدليس، وحزبيون ومندوبو أجهزة الأمن و و ...إلخ، ممن لا تخلو جعبة النظام من وجودهم من فئات الشعب المتجانس الذي يروق للنظام.
وفي محاولة بائسة لمنحهم بعض المصداقية يلاحظ أن النظام أبقى على ممثليه في اللجنة الدستورية ضمن المرشحين ليستمر في مماطلته ومحاولته التملص من الحل السياسي في سورية عبرهم.
ويلاحظ أيضاً أنه حاول إبقاء أسوأ الأسماء سمعة وأكثرها إجراماً وأدواراً قذرة على قوائم المستقلين ومن هؤلاء قادة ميليشيات وأشخاص يعملون لدى إيران.
الانتخابات المزيفة التي لن يشارك فيها نصف الشعب المهجّر وحوالي 40% من الجغرافيا السورية لا تعني السوريين في شيء ولا ينتظرون نتائجها.
فالانتخابات التي ينتظرها السوريون منذ عشرات السنوات هي تلك التي تزيح عن رقابهم قيد النظام المجرم، هي تلك التي تجري بحرية وفي بيئة آمنة ومحايدة والتي يختارون فيها رجال دولة وشخصيات وطنية وكفاءات، لا عناصر أمن ومهرجين، الانتخابات التي تغيّر واقعهم ومستقبلهم وتخرجهم من هذا النفق الطويل المظلم، فالكل يدرك أن التغيير الوحيد الذي يمكن أن يحدث الفرق في سورية هو رحيل هذا النظام المجرم، لا تغيير هؤلاء الممثلين البائسين في مجلسه المتجانس.
الذي ينتظره السوريون سلطات تنبثق عن إرادتهم ورجال يخرجون من بين صفوفهم لخدمتهم، وبرلمان يَليق بتضحياتهم وتاريخهم، ولا ينتظرون ولا يعوّلون على أي شيء آخر، ينتظرون أن تطوى صفحة النظام وأن ينالوا الحرية التي قدّموا في سبيلها أعظم تضحيات عرفها التاريخ.