الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مغفلو الأسد المفيدون مرة أخرى

مغفلو الأسد المفيدون مرة أخرى

07.03.2019
عمر الخطيب


جيرون
الاربعاء 6/3/2019
بما أن رجل السياسة لا يصدق أبدًا ما يقوله، فإنه يفاجأ إذا ما صدقه أحد”. شارل ديغول
لم تكن المشكلة الحقيقية يومًا مع الشخص الكاذب، بل كانت دائمًا مع الذي يقوم بنشر هذه الكذبة وترويجها ودعمها بمزيد من الحجج والحيل اللفظية. الكذب والخداع هما ديدن السياسة والسياسيين، كما يقال، ولكن لا أحد يُجبر أولئك المتطوعين، عن غباء أو إدراك، على القيام بكل جهد لتصدير كل ذلك الكذب إلى الناس، ومحاولة اجتراح البراهين والدلائل ودحض المهاجمين.
الأمر يتعدى ما يسمى بالكذب، لأن السياسة عندنا تلاعبت بالعدالة والأخلاق، وضربت المنطق في الصميم، فغاب تمامًا، ولعل الجميع يتذكر أن السوريين، مع بداية انطلاق الثورة السورية، كانوا يسخرون من المستوى الركيك لدعاية النظام وأساليبه الضعيفة في تشويه ما يجري على الأرض، لم يكن يدور في خلدهم أن أحدًا سيصدق أو يحاول أن ينشر دعاية النظام.
الأسماء الغربية التي تطوعت لترويج خداع النظام وروسيا كثيرة، وتتسع القائمة لتضم سياسيين وأكاديميين، فضلًا عن الصحافيين والناشطين الإعلاميين، حتى إن صحيفة (التايمز) البريطانية وصفتهم بأنهم “مغفلو الأسد المفيدون” في مقال منشور في نيسان/ أبريل 2018، وذكرت منهم -مثلًا- الدكتور بيرس روبنسون، المحاضر في كلية الصحافة في إحدى كبريات جامعات بريطانيا (جامعة شيفيلد)، كمثال واضح على من تكلمت عنهم، واختصرت التعريف بأنهم أولئك الذين يتبنون الدفاع عن الأسد ودحض كل ما يدينه أو روسيا.
شكّل الهجوم بالأسلحة الكيمياوية على الغوطة الشرقية، في آب/ أغسطس 2013، نقطة محورية ونقلة كبيرة في أسلوب الكذب المتبع، حيث نزلت روسيا بآلتها الدعائية المتمرسة، وبدأت أسماء كثيرة تظهر في وسائل الإعلام الغربية، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، يجمعها ولاؤها للرواية الروسية وبالتالي نفي الهجوم الكيمياوي، أو بأحسن الأحوال القول إن الثوار هم من استخدموه، كما فعل الصحافي الأميركي الاستقصائي (سيمور هيرش) وبالطبع، انطبق عليهم أيضًا توصيف (التايمز): “مغفلو الأسد المفيدون”.
يحاول كثيرون تبرير الكذب والخداع على أنه من أصول السياسة، وتحت عناوين المصلحة وضرورات العمل السياسي، بل تم اعتبار المهرة في الخداع والكذب، من الدهاة والعباقرة، وهكذا صار تقييم الرؤساء والمسؤولين السياسيين يتبع مدى قدرتهم على إقناع الآخرين وتسويق كذباتهم، في تجاهل واضح للقيم الأخلاقية وتحويرها، حيث تصبح متناسبة مع مقولة “اللص الصغير للعقوبة واللص الكبير للمجد”.
وعلى الرغم من مهارة صناعة الكذب، حيث إننا نتكلم هنا عن أنظمة وإعلام متضامنين لخدمة السياسي، في نشر الأخبار المفبركة والقصص المزيفة، وبث الدعايات حول الزعيم وعبقريته؛ فإن كل هذه الجهود في صناعة الكذب تتوقف على المتلقي المستهدف بشكل أساسي، حيث إن رفضها من قبله وعدم تصديقها يسحب هذا السلاح، ولضمان تصديق المتلقي، أو لنقل السيطرة عليه بحيث يصدق ما يصدر إليه، لا بد من طرف ثالث تتمحور وظيفته في تحويل الدعاية المضللة -بما تحويه من أكاذيب وخداع- إلى مادة شعبوية حماسية مناسبة للنقاش والأخذ والرد.
من الخطأ أن نفترض أن مروجي خداع السلطة وكذبها بين الناس هم دائمًا من التابعين أو العاملين معها، فهؤلاء لا يتأخر الناس عن كشفهم، وضمهم إلى دائرة السلطة والقضاء على صدقيتهم، مع أن ذلك لا يمنعهم طبعًا من الاستمرار في عملهم بتلك الروايات والحجج، وترديدهم الممجوج لعبارة: “أنا لا أدافع عن أحد ولا أمثل إلا نفسي”، فالنوع الأخطر من مروجي كذب السلطة هم السذج والمغفلون الذين تطغى أيديولوجيتهم وأوهامهم الشخصية، فضلًا عن الأحقاد والنظرة العنصرية، على محاكمتهم العقلية؛ وبذلك يتحولون إلى مروجين لكذب السلطة في أماكن عملهم، سواء أكانوا إعلاميين أم محللين أم أكاديميين.
ظاهرة المدافعين عن الأسد أو منكري المجزرة الكيمياوية، كما يتم وصفهم على صفحات (تويتر)، هم -كما أسلفنا- يضمون في صفوفهم أكاديميين وإعلاميين، حيث يرفع بعضهم شعار معارضة الحرب، والبعض الآخر يأتي من خلفية ماركسية معادية للولايات المتحدة، ومنسجمة مع دعوات الاتحاد السوفيتي سابقًا وروسيا حاليًا، وبذلك تحول هؤلاء إلى وقود في ماكينة الدعاية الروسية، حيث قاموا بتبني كل روايات النظام، وقالوا بعدم وقوع المجزرة الكيمياوية، ورفضوا تصديق أن الأسد يستهدف السوريين ببراميله المتفجرة، ورأوا أن لا ثورة في سورية، إنما هي جماعات متطرفة عميلة لأميركا، تستهدف “حلف الممانعة” إلى آخر هذه الدعوات.
في الآونة الأخيرة، باتت هذه الظاهرة أكثر ظهورًا في العالم العربي، بل صارت متوفرة بكثرة على صفحات الإعلام العربي، وصرنا نقرأ تبريرات ودعوات لمصالحة الأسد وترويج لرواياته ومقولاته، في إنكار رهيب لإحدى أكبر المجازر التي ترتكب بحق شعب بشاعة، والمؤلم أنها موثقة بالصوت والصورة، فضلًا عن تقارير المنظمات الحقوقية.
فعلى سبيل المثال، ها هو جهاد الخازن يقول، في مقال له على صفحات جريدة (الحياة)، في 7 كانون الثاني/ يناير 2019: “أكتب والنظام السوري استعاد السيطرة على معظم أنحاء البلاد، ما يعني أنه ربح الحرب التي بدأت سنة 2011، أو سيربحها بالتأكيد”.
الخازن، قال إن ما يجري في سورية هو حرب منذ 2011! من دون أن يحدد من هما الجيشان اللذان يخوضان هذه الحرب. ويتابع ليقول إن روسيا وإيران دعمتا ما يسميه “جيش الحكومة” فعن أي حكومة وأي جيش! وأي أعداء هؤلاء الذين قصفتهم روسيا وإيران! ألا يستحق أكثر من 600 ألف شهيد مدني سوري أن يشير الخازن، على الأقل، إليهم.
الأخطر في هذه المرحلة هو هذا الجهد الذي لا يمكن رده كله إلى التبعية للأسد أو لنظام حكم آخر، بل هناك قدر لا بأس به ينطلق من قناعات وآراء، يسمونهم بالرجعيون الجدد، في دعوتهم للعودة إلى حظيرة الحكم العسكري الدكتاتوري، وخطورتهم أنهم يساهمون الآن في بلورة الروايات الكاذبة، وخلق حالة من اليأس عند المواطن العربي، عبر حصره في معادلة البوط العسكري أو (داعش).