الرئيسة \  واحة اللقاء  \  درعا تقاوم الموت وإدلب تنتظر

درعا تقاوم الموت وإدلب تنتظر

08.07.2018
سلام السعدي


العرب اللندنية
السبت 7/7/2018
خلال الأسبوع الماضي، كثفت روسيا والنظام السوري المدعوم بالميليشيات الشيعية الهجوم العسكري على الجنوب السوري للسيطرة على محافظة درعا وعلى المنطقة الحدودية مع الأردن. في أثناء الهجوم والقصف العنيفيْن، عُقدت عدة جولات من المفاوضات بين الجبهة الجنوبية المعارضة وروسيا في محاولة للتوصل إلى تسوية تجنب مهد الثورة السورية الدمار، وتجنب مدنييها الموت والنزوح خارج البلاد. ولكن ما عرضه الوفد الروسي على ثوار درعا لم يكن تسوية، بل كان استسلاما تاما غير مشروط.
بدا النهج الذي اتبعه الوفد الروسي في المفاوضات غريبا بعض الشيء. إذ بخلاف كافة المناطق الأخرى التي أجرت اتفاقات تسوية مع روسيا والنظام السوري بعد أن اتضح أنها تخسر المعركة، أصرت روسيا على عدم نقل المقاتلين وعائلاتهم من محافظة درعا نحو الشمال السوري. ويعني ذلك بالطبع رضوخهم لعودة النظام السوري ومؤسساته الأمنية التي ستفتك بهم وبعائلاتهم دون رحمة. ونتيجة لذلك رفض الوفد المفاوض عن الجبهة الجنوبية العرض الروسي حيث فضلوا القتال حتى الموت.
يوضح التعنت الروسي أن قبول نقل المقاتلين المعارضين وعائلاتهم للشمال السوري من عدة مناطق خلال العام الماضي لم يكن بسبب حرص خاص على حياة المدنيين السوريين العالقين في مناطق القتال كما كانت تدعي روسيا، كما لم يكن بسبب الضغوط الدولية وضغوط المنظمات الإنسانية التي لا تزال قائمة دون أن تكترث موسكو لها. كل ما في الأمر أن ذلك كان تكتيكا عسكريا لاستعادة عدد من المناطق على امتداد البلاد بصورة سريعة ودون خوض معارك معقدة وطويلة تبطئ من وتيرة التقدم العسكري.
كانت تلك هي الفكرة الرئيسية من وراء اتفاقيات خفض التصعيد التي عقدتها روسيا مع تركيا في الشمال السوري، ومع أميركا والأردن في الجنوب، ومن خلال مفاوضات مباشرة في الغوطة الشرقية قبل نحو عام. استخدمت اتفاقيات خفض التصعيد كتكتيك حربي لإدارة المعارك، حيث وضعت روسيا والنظام السوري وإيران قائمة بالمناطق التي يرغبون باستعادتها، وجدولا زمنيا مكثفاً للقيام بذلك. مكنت تلك الاستراتيجية المعسكر الداعم للنظام من حشد كافة الموارد العسكرية والبشرية لمهاجمة كل منطقة على حدة في ظل هدوء كافة الجبهات الأخرى بداعي الالتزام باتفاقية خفض التصعيد.
وقد لمس وفد الجبهة الجنوبية المفاوض للروس قبل أيام حقيقة الاستفراد بالمنطقة الجنوبية وذلك عندما هدّد الوفد الروسي بأن أكثر من أربعين طائرة حربية روسية راقدة في مطار حميميم على الساحل السوري سوف تباشر قصف بلدات الجنوب مباشرة بعد انتهاء الاجتماع في حال رفض العرض الروسي. عندما تدخلت روسيا في سوريا عام 2015، كانت طائراتها الحربية مشغولة باستهداف جميع المحافظات السورية حيث تساعد قوات النظام السوري على عشرات الجبهات المنتشرة في طول البلاد وعرضها. أما اليوم وبفضل اتفاقيات خفض التصعيد التي تمت بمساعدة تركية وبتجاهل إقليمي ودولي للمسألة السورية، فإن القوة العسكرية الروسية، مكرسة للهجوم على المقاومة المحلية في الجنوب السوري بأسلحتها المتواضعة.
يشعر كل من نظام الأسد وإيران وروسيا أن هنالك فرصة ذهبية للتخلص من عشرات آلاف المقاتلين لا من الجنوب السوري فحسب، بل من كل سوريا وذلك بإبادتهم عسكريا خلال الهجوم أو بأسرهم في حال قبلوا التسوية وسلموا مناطقهم دون قتال حيث ستتم ملاحقتهم واصطيادهم وإيداعهم السجون. بهذا المعنى يرفض النظام السوري وحلفاؤه نقل المقاتلين إلى محافظة إدلب لكي لا يساهموا في تشكيل قوة عسكرية جديدة تنضم لتلك الموجودة في الشمال السوري والتي تديرها تركيا. يرى النظام السوري ذلك كتهديد مستقبلي وهو يفضل التعامل معه اليوم في محافظة درعا في ظل العزلة المميتة التي تعيشها تلك المحافظة وانعدام فرص الصمود أمام هجوم مدعوم روسيا.
هنالك نحو 30 ألف مقاتل يتبعون للجبهة الجنوبية، ويعتقد النظام وداعموه أن انضمامهم للمشروع العسكري السياسي التركي في الشمال السوري سوف يعقد محاولات تفكيك ذلك المشروع في المستقبل.
يبدو مصير محافظة درعا واضحا. ففي ظل استمرار التخلي الدولي والإقليمي عنها، يتجه ثوار الجنوب للقتال حتى الرمق الأخير في معركة خاسرة، أو للقبول باتفاق ينقلهم نحو منطقة آمنة نسبياً. وعندها، ومهما بلغت حدة التحذيرات التركية، لا شك بأن النظام السوري وإيران على أقل تقدير، إن لم تشاركهم روسيا، سوف يلتفتون نحو محافظة إدلب.