الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لعبة الأمم في اتفاق إدلب وسوريا

لعبة الأمم في اتفاق إدلب وسوريا

23.09.2018
محمد نور الدين


الخليج
السبت 22/9/2018
عكس اتفاق إدلب بين تركيا وروسيا "لعبة الأمم" في الساحة السورية. فبعد فشل قمة طهران بين رؤساء تركيا وإيران وروسيا، تصاعدت لعبة الضغوط المتبادلة بين الأطراف المعنية بإدلب. فإضافة إلى حثّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي على التدخل ومنع هجوم سوري - روسي على إدلب، أوحت تركيا بأنها مستعدة للدخول حتى في صدام عسكري مع الجيش السوري من خلال تحشيد قواتها في مناطق في إدلب واستقدام تعزيزات مدرّعة إلى المنطقة هناك.
جاءت قمة سوتشي بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمحاولة التوصل إلى حل في إدلب خارج الخيار العسكري.التوصل إلى اتفاق كان إنجازاً خصوصاً بالتفاصيل التي تضمّنها، وفي فترة زمنية قصيرة.
انصرف الجميع إلى تشريح الاتفاق ومن الرابح ومن الخاسر فيه، بل الظروف التي أملت التوصل إليه.
ليس من طرف إلا وأبدى رضا على اتفاق التهدئة ووقف النار. وبمعزل عن مصداقية التصريحات، فإن تركيا تبدو الأكثر ارتياحاً في ذلك. إذ إنها بدت في قمة طهران كما لو أنها وحدها تريد حلاً سلمياً خارج أي هجوم عسكري. وهذا صحيح، لأن تركيا لم تكن تريد انفجاراً سيلحق بها أكبر الأذى. إذ إن أي صدام عسكري سيجعلها تلقائياً مع الجماعات المصنّفة إرهابياً، فساحة المعركة ستكون في منطقة إدلب الموجودة فيها تركيا وحلفاؤها من المسلحين وعلى الحدود مع تركيا مباشرة، وما يحمل ذلك من احتمالات كبيرة لانتقال العنف إلى الداخل التركي.
كذلك فإن الصدام العسكري يعني موجة نزوح كبيرة ستكون عبئاً على تركيا وأوروبا. لكن الأهم بالنسبة لتركيا أن الصدام العسكري، مهما طالت المعركة، محكوم بخسارة تركيا في ظل أن إدلب هي المنطقة الأخيرة التي لا تزال خارج سيطرة الدولة السورية، ولن تسمح روسيا بخسارة هذه المعركة.
موافقة روسيا على الاتفاق السلمي مع تركيا كان تغليباً للعبة الأمم في سوريا على أي لعبة أخرى.
كانت روسيا بدورها تدرك أن الصدام العسكري مع تركيا سيعرّض العلاقات المتنامية بين البلدين لصدع كبير ليس في مصلحة أحد. وهي لا تريد تحت أي ظرف أن تدفع تركيا للعودة إلى الحاضنة الغربية. ونرى ثقل المصالح الثنائية حاضراً في كلمات بوتين وأردوغان، حيث أشارا إلى تنامي حجم التجارة الثنائية ووصوله إلى 15 مليار دولار وارتفاع عدد السائحين الروس في تركيا إلى ستة ملايين، وتدشين بناء المفاعل النووي الروسي في مرسين، واستمرار العمل في خط الغاز الروسي عبر تركيا، فضلاً عن صفقة صواريخ أس - 400.
فرضت هذه المصالح نفسها، وخصوصاً من الجانب الروسي، حيث وافقت على ما كانت رفضته في قمة طهران، وهو وقف النار والعمل على حل سلمي للأزمة في إدلب.
نجحت تركيا في:
1- عدم التعرّض لمسلحي جبهة النصرة والتنظيمات التابعة لتنظيم "القاعدة" وتعريضهم للقتل، وبالتالي حمايتهم من خلال نقلهم إلى خارج إدلب والاحتفاظ بهم لوظائف أخرى لاحقة.
2- بقاء المسلحين الآخرين الموالين لتركيا في أماكن تواجدهم، بما فيها المنطقة العازلة التي نص عليها الاتفاق، لكن مع سحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة العازلة.
3- إقامة منطقة عازلة على امتداد خط التماس بين مناطق تواجد الجيش السوري وتلك التي توجد فيها فصائل المعارضة المتشددة.
4- مشاركة قوات تركية في دوريات عسكرية منسّقة مع القوات الروسية في المنطقة العازلة. وهذا تطوّر يتخطى وجود نقاط المراقبة التركية ال 12، ليكون تأكيداً لهذا الحضور والنفوذ.
5- وفقاً لتصريحات بوتين وأردوغان، فإن تركيا حصلت على ضوء أخضر من روسيا لدعم أي حرب تركية ضد الأكراد في مناطق شرق الفرات. وهذا يذكّر بالضوء الأخضر نفسه ومن الجهة نفسها التي حصلت عليها تركيا للقيام بعمليتي درع الفرات وعفرين.
في المقابل السوري:
1- إنه اتفاق موقّع عليه رسمياً بين دولتين خارجيتين هما روسيا وتركيا يخص وضعاً داخل دولة ثالثة هي سوريا من دون مشاركة هذه الدولة في التوقيع عليه. وهذا مسيء لصورة الدولة السيادية.
2- إنها المرة الأولى منذ بدء الصراع التي تقام فيها منطقة عازلة بين التنظيمات المسلحة وبين الدولة نفسها، وهذا أيضا يسيء إلى الوجه السيادي للدولة.
3- وفي هذا كسر لنهج التسويات والمصالحات التي شكّلت عنواناً بارزاً وناجحاً لتحرك الدولة السورية في السنوات الأخيرة. واتفاق إدلب بمعيّة تركية أوقف هذا النهج.
4- ستعمل تركيا استطراداً على زيادة فاعليتها وتنشيط أكبر لدورها مع تشكيل اللجان الخاصة بالدستور ومستقبل العملية السلمية في سوريا. وهذا بالتأكيد لن يرضي النظام في سوريا بأي وجه من الوجوه.
في المحصلة، فرضت قواعد لعبة الأمم نفسها في اتفاق إدلب وهي لعبة يمكن أن تتغير قواعدها تبعاً للظروف، خصوصاً أن روسيا وتركيا ليستا وحدهما أطراف المعادلة سواء في إدلب أو في سوريا عموماً، وهو ما أكّده تحميل روسيا "إسرائيل" مسؤولية إسقاط الطائرة الروسية فوق اللاذقية بعد ساعات قليلة فقط من اتفاق إدلب.