الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مسار سكين السفارات و"أصدقاء" سوريا في جسد الثورة

مسار سكين السفارات و"أصدقاء" سوريا في جسد الثورة

05.01.2019
منير الربيع


سوريا تي في
الخميس 3/1/2018
ستّة أشهر مرّت على الثورة السورية في العام 2011. كان يومها السوريون أيتاماً في الداخل والخارج. ما فعله الشعب في الأشهر الأولى للثورة، كان اكتشاف صوته المكتوم منذ أربعين سنة. نمى الطفل وحيداً، إلى أن اكتشف لغته التي انعكست في شعارات تردّدت على كامل الجغرافيا السورية، فتحوّلت إلى أيقونات طبعت الثورة. اكتشف الطفل الحقيقة باكراً، فكان شعار "يا الله ما النا غيرك يا الله". وهو التعبير التبسيطي عن ترك الشعب لمصيره المحتوم ومواجهته وحيداً، بلا أي دعم جدّي وفعّال.
وعى السوريون باكراً مفهوم الخطوط الحمر التي رسمت، فاستبقها بقناعة تجلّت في هتاف الحناجر، وتمثّلت بـ:" واحد واحد واحد الشعب السوري واحد". تلك كانت القراءة الاستشرافية لما يرسمه النظام ويخطط له بتواطئ دولي هادف إلى إدخال سوريا في أتون صراع مذهبي وطائفي يصومل سوريا، ويمنع أي شعب شقيق من مجرّد التفكير بالانطلاق في ثورة جديدة، أو الخروج في تظاهرات تطالب بالإصلاح والحرية وإسقاط الأنظمة. شدد السوريون على مبدأ الوحدة الوطنية، لمنع تحويل الصراع السياسي إلى صراع مذهبي أو ديني.
 وبينما شكّل عنوان "سلمية سلمية" للتظاهرات الفيصل في فقه السوريين لما يسعى النظام إلى عسكرته، صمد أبناء سوريا لستة أشهر في مواجهة آلة القتل، واستمرت العلاقات الدولية والدبلوماسية للنظام مع مختلف الدول، بعضها يدّعي إسداء النصائح لوقف العمل العسكري، وبعضها الآخر يكتفي بالتعبير عن الاستياء بدون الإقدام على أية ردّة فعل حقيقية قادرة على قلب الموازين، وتأمين الحماية للسوريين بوجه آلة القتل.
ثار السوريون من منطلق ذواتهم، وإيماناً بالربيع العربي، استمروا وحيدين بلا أصدقاء، لتتجلّى الطامة الكبرى لدى تشكّل ما يسمّى أصدقاء الشعب السوري، وهذه التي شكّلت مدخلاً للقضاء على أحلام السوريين وإجهاضها، لا بل تحويلها إلى كوابيس. مع تشكل أصدقاء الشعب السوري، بدأت مرحلة جديدة من الصراع بين النظام والذين يدعون أنفسهم أصدقاء الشعب، فحصرت المعركة بين آلة القتل النظامية، مقابل تفرجّ الأصدقاء على الشعب يقتل ويسحل في الشوارع.
 ستة أشهر، لم تقدم أي دولة من مدّعي صداقة الشعب، على اتخاذ أي إجراء حقيقي وفعّال تجاه النظام، فكانت الثورة مجرّدة من أي تدخّل خارجي، أو أي علاقة بالسفارات، التي بدأت بالإقفال في سوريا بعد نجاح النظام في عسكرة الثورة، والقضاء على كل الناشطين السلميين والتنسيقيات، وإلقاء مئات منهم في السجون أو القبور، مقابل العفو العام عن كل السجناء الخطيرين، من متطرفين وسلفيين، تم إطلاق سراحهم على مراحل متتابعة لغاية في نفس النظام والقوى المدعية صداقتها للشعب. في الفترة التي تدخّلت فيها السفارات كان يتم الدخول في مراحل القضاء على الثورة، وحرفها عن مسارها. فنجح النظام في ما رمى إليه. وبرر الشراسة العسكرية التي استخدمها، مستقدماً مقاتلين من كل أصقاع الأرض لمواجهة معارضيه، الذين حرموا أي دعم عسكري جدّي، وضع في غير سياقه، وصبّ لدى جماعات وتنظيمات كل غايتها تسعير الصراع، لا إنجاح الثورة.
بعد ثماني سنوات على ثورة الشعب السوري، يحتفي النظام بإعادة افتتاح السفارات التي أقفلت في العام 2011، وبينما يدّعي النظام انتصاراً على المؤامرة، أصبح لا بد من وضع حقيقة الأمور في نصابها. فالنظام كان شريكاً وأحد صنّاع المؤامرة، فيما الشعب هو أكبر المستهدفين بها والمتضررين منها. ولأن الاستحقاقات تُقرأ بنتائجها، فالنتائج واضحة، تهجيراً وتدميراً وإبادة شعب لصالح بقاء النظام.
 لم تكن المؤامرة التي تعرّض لها الشعب السوري محصورة بسوريا. ولا تقف عند حدود تعزيز تحالف الأقليات وفق النظريات التي بنى عليها النظام السوري حربه ضد شعبه، من خلال ادعائه حماية الأقليات وهو العنوان الذي يدغدغ شعور الغرب تاريخياً وينسجم مع الوجهة الاستراتيجية الإسرائيلية. بحيث نجحت استراتيجية النظام بتحقيق ما فشل الإسرائيليون من تحقيقه منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي. استخدمت الثورة السورية من قبل الخصوم والأصدقاء، لتحويل سوريا إلى ساحة صراعات إقليمية ودولية، أريد لها أن تكون ساحة أفول الربيع العربي.
ولذلك أريد إعطاء انطباع للصراع، بأن رحى الحرب تدور بين هلالين، سنّي وشيعي. إذ مثّل الربيع العربي، محطّة مفصلية في تحوّل وجه المنطقة، خاصة أنه أدى إلى بروز قوى الإسلام السياسي بقوة في مختلف دول الثورات من تونس، إلى مصر فسوريا. ولأن هذا أكثر ما يضرب توجهات الأنظمة العربية والقوى الغربية، كان لا بد من وأده. خاصة أن اتخاذ الثورات وإسقاطها على الخريطة، ستنتج هلالين متقابلين. الهلال الشيعي الذي لطالما سعت إيران إلى تحقيقه، من الأراضي الإيرانية إلى العراق وسوريا فلبنان. مقابل هلال سنّي من تونس إلى ليبيا فمصر وغزة إلى سوريا. فأضيف سبب رئيسي جديد يسعى إلى تدمير الثورة السورية، إلى جانب الصراع على موقعها الجيواستراتيجين باعتبارها تمثّل نقطة الالتقاء بين الهلالين.
 وبالتالي فإن إدخال سوريا في صراع تدميري، هدفه ضرب المشروع المواجه للمشروع الإيراني، الذي يدّعي أصدقاء الشعب السوري سعيهم لمواجهته بغية تحجيم نفوذ إيران، ويتخذونه مبرراً لعودتهم إلى سوريا وتجديد علاقتهم مع النظام، على حساب الشعب السوري الذي أصبح بأكثريته مهجراً، والجغرافيا التي أصبحت ممزقة. بينما باحتفاظ إيران بسيطرتها على الأرض السورية، وبدون وجود أي سياسة واضحة ورؤية استراتيجية عميقة هدفها مواجهة إيران هناك، ستكون طهران قد نجحت في حماية هلالها، سياسياً على الأقل، لما لديها من تأثير في العراق، ووزن في سوريا عسكري وسياسي، مقابل سيطرة شبه تامة على لبنان.
وكما انطلقت الثورة السورية بدون أي دعم خارجي، وانطلقت في ظلّ استمرار عمل السفارات في الشام، فلا يمكن اعتبارها تنتهي بإعادة افتتاح السفارات. الثورات من هذا النوع لا تنتهي، وإن استكانت، أو فشلت في مرحلة بفعل عسكرتها وجعلها ساحة لتصفية كل المتطرفين من مختلف أصقاع العالم. تهدأ الثورة إلى حين، ولا تستكين. ولا بد لها أن تعود بعد إعادة تجديد نفسها، وتطهير جسمها