الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قضية حقوق ومحاسبة لا قضية جغرافيا

قضية حقوق ومحاسبة لا قضية جغرافيا

04.02.2020
يحيى العريضي



سوريا تي في
الاثنين 3/2/2020
بفعل الطائرات الروسية ومرتزقة "فاغنر"، وميليشيات إيران، وبقايا "حماة الديار"، سيطر نظام الأسد على حمص وحلب والغوطة والجنوب؛ والآن، سينال "شرف" تدمير منطقة إدلب و"تحريرها" من أهلها، وممن تم تهجيرهم إليها بعد تدمير مناطقهم.
يعرف مَن ساهم بسيطرة النظام على تلك المناطق (وخاصة روسيا) أن النظام يحتاج إلى /مَن/ و /ما/ يحكمه، وإلى إمكانيات تمكّنه من الحكم: هذه الـ /مَن/ رافضة له، إنها مُنهكة اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً بفضل حصاره، وبسبب استبداد الجولاني الذي زرعه بين ظهرانيها؛ والــ /ما/ مدمرة بفعل مئات أصناف الأسلحة التي جرّبها بوتين في تلك المناطق؛ أما إمكانيات إدارة تلك المناطق فهي غير متوفرة، حيث لم يعد الروسي أو الإيراني يؤمنها، ولا العقوبات يمكن أن ترتفع في ظل هكذا إجرام.
تأتي خطوة النظام الأخيرة هذه في ظل شبه صمت عالمي، وكأن هناك اتفاقاً خفياً بإنهاء الجانب العسكري للقضية السورية، والولوج في العملية السياسية. وهنا يعتقد النظام واهماً أنه بسيطرته العسكرية، سيكون التملّص من أي عملية سياسية يمكن أن تخلخل كيانه؛ وأن بإمكانه من خلال سيطرته العسكرية أن يتدبر أموره: فالعقوبات ستُرفَع، واللاجئون سيعودون، وإعادة الإعمار ستنطلق، والإصلاحات الدستورية ستتم.
عودة السوريين وهمٌ يحاول النظام -مدعوماً بدعاية روسية قوية- بيعه للعالم، فالنظام الذي أخرج السوريين من بيوتهم، لا يريدهم أن يعودوا إليها؛ وخاصة أنه يلاحقهم بطائراته أحيانا إلى مخيماتهم في الداخل السوري. إضافة إلى أن تلك البيوت لم تعد قابلة للعودة أساساً. فما لم يُدَمّر، تعرّض لعبث ميليشياته الإجرامية. حتى وإن عادوا رغم كل ذلك، فالنظام يريد عودتهم أذلاّء تحت حذائه العسكري. أما عن "إعادة الإعمار"، فالعالم يعرف أن مَن دمّر البشر والحجر، يستحيل أن يكون جاداً في إعادة الإعمار؛ إلا من أجل الحصول على عقود ينهبها لذاته ولحماته الروس الأكثر حماساً لإعادة الإعمار. ومن هنا، وفي ظل هذه المعادلة العبثية الوقحة، لا يمكن لمَن فرض العقوبات، للأسباب أعلاه، أن يرفعها.
مقابل تجاوب العالم مع الروس في قضيتي رفع العقوبات وعودة اللاجئين (طبعاً لمصالحهم الخاصة وعقودهم المافياوية)، وبعد "إنجازاتهم" العسكرية، يقدم الروس وعداً بـ "إصلاحات دستورية" يسعون إلى "إقناع" النظام بها من خلال دفعه للانخراط بعمل اللجنة الدستورية. ومن هنا نرى أنه بعد جهد جهيد، استقبلت موسكو المبعوث الدولي "بيدرسون". وللزيادة في دراما "جهودها" في الموضوع أوفدت إلى دمشق سياسيين روسييّن كبيرين كي يتعطّف وليد المعلم ويقبل استقبال المبعوث الدولي. تم الاستقبال؛ ولكن في موعد تقديمه إحاطة لمجلس الأمن.
المفارقة العجيبة أن النظام -حتى بعد تدخل الموفدين الروسيين- (ولا ندري إن كان بالتنسيق معهما) قد بقي متمترساً عند نقطة تعطيله للجولة الأخيرة للجنة الدستورية، والمتمثلة بامتحان وطنية ثلثي أعضاء اللجنة الدستورية؛ حيث أبلغ المبعوث الدولي أن "جدول الأعمال" الذي يطلبه لبدء جولة جديدة من عمل اللجنة الدستورية، هو "الثوابت الوطنية". وهذه "الأسس أو الثوابت الوطنية" هي / رفع العقوبات - إدانة الاحتلال التركي والأميركي- وسيادة سوريا/ معتبراً ذلك "الأسس الوطنية للإصلاح الدستوري".
إن محاكمة هذا النظام المجرم ومن يدعمه يجب أن تكون البند الأوحد على جدول أعمال الأمم المتحدة
رغم أن كل كلمة في الدستور يجب أن تكون أساساً أو ثابتاً وطنياً، إلا أن تلك الاشتراطات لا علاقة لها بمناقشة الدستور أو الإصلاح الدستوري؛ وما هي إلا من عقابيل ما صنعته يد النظام بسوريا وأهلها. هو من جلب الاحتلالات، وتسبب بفرض العقوبات، وجعل سيادة سوريا في مهب الريح. ولا تنفعه الأكاذيب والمزايدات. وإذا كان موقف المعارضة، الذي رفض الدخول إلى الجلسات؛ وجدول أعمال النظام "فحص وطنيتهم"، بالقبول بهكذا جدول أعمال، والولوج في العملية - كما يريدها النظام وروسيا من خلفه - فبئس هكذا موقف، سيمقته شعب سوريا، الذي يفكر بجدول أعمال فيه فقط إطلاق سراح المعتقلين. ولو كان هناك احترام حقيقي لحقوق الإنسان في هذا العالم، فإن محاكمة هذا النظام المجرم ومن يدعمه يجب أن تكون البند الأوحد على جدول أعمال الأمم المتحدة.
أخيراً، إذا كان هذا النظام ومن يدعمه يعتقدون أن القضية السورية هي مسألة سيطرة على الجغرافيا، أو قضية سياسية بين "معارضة" و "نظام"، وأن مَن يمتلك الشرعية هو النظام، فهم واهمون جداً. إنها قضية حقوقية بامتياز. إنها قضية محاسبة ومحاكمة عصابة إجرامية سطت على الدولة السورية، وأخذتها رهينة، وشردت شعبها، واعتقلت أبناءها، مدعومة بعصابات وميليشيات قوامها طائرات سوخوي، وقتلة، وفيتو في مجلس الأمن.
في ظل كل ذلك، تبقى مسألة واحدة؛ وفيها جوهر الخلاص من هذا الوباء وهذه المأساة، وهي أن يقف السوريون على هذه الحقائق، ويعيدوا إطلاق ثورتهم متبرئين من "القاعدة" و "داعش"- أدوات النظام وأعوانه - واضعين نصب عقولهم وأعينهم سوريا لكل مواطنيها تحت سيادة القانون.